شهدت الجلسات العامة الأخيرة لمجلس الشيوخ المصري، برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، رئيس المجلس، تطوراً تشريعياً هاماً، تمثل في الموافقة بالإجماع على الدراسة المقدمة من النائب أكمل نجاتي، أمين سر لجنة الشؤون الاقتصادية والمالية والاستثمار بالمجلس.

 

تناولت هذه الدراسة المعمقة تقييم الأثر التشريعي للقانون رقم 196 لسنة 2008، المعروف بقانون الضريبة على العقارات المبنية، والمعمول به حالياً، ممهدة الطريق نحو تعديلات محتملة تهدف إلى تعزيز البيئة الاستثمارية وتحقيق قدر أكبر من العدالة الضريبية.

 

تأتي هذه الموافقة كخطوة أولى نحو مراجعة شاملة لأحد القوانين الحيوية التي تمس قطاعاً واسعاً من المواطنين والمستثمرين على حد سواء، وتعكس حرص المجلس على التفاعل مع التحديات التي يواجهها التطبيق العملي للتشريعات القائمة.

 

ترصد الدراسة، التي حظيت بتأييد المجلس، مجموعة من الأهداف الرئيسية التي تسعى التعديلات المقترحة إلى تحقيقها. يأتي في مقدمة هذه الأهداف معالجة الإشكاليات التي أظهرها التطبيق الفعلي للقانون الحالي، والذي اعتبره البعض عبئاً على المستثمرين، وبخاصة العاملين في القطاع الصناعي. حيث أشارت الدراسة إلى أن القانون بصيغته الحالية لم يكفل معاملة تفضيلية لعقارات النشاط الصناعي، التي تواجه تحديات جمة، مما يستدعي إعادة النظر في هذا الجانب لتشجيع الاستثمار في هذا القطاع الحيوي.

 

كما تهدف التعديلات المقترحة إلى تحفيز بعض الأنشطة الإنتاجية والخدمات الاستراتيجية الأخرى، بما يساهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي وتوفير المزيد من فرص العمل، وذلك من خلال نظام ضريبي أكثر مرونة واستجابة لمتطلبات التنمية.

 

تحديات القانون الحالي تستدعي المراجعة

 

استعرض النائب أكمل نجاتي، خلال مناقشات المجلس، عدداً من المشكلات والمنازعات التي برزت نتيجة تطبيق القانون الحالي. من أبرز هذه التحديات، الاختلاف الملحوظ في منهجيات لجان الحصر والتقدير عند تحديد وعاء الضريبة.

 

فقد لوحظ أن بعض اللجان تلجأ إلى تحديد القيمة الإيجارية الحكمية أو الاسترشاد بالقيم الإيجارية الفعلية المدرجة في عقود الإيجار، التي قد لا تعكس الواقع بدقة في بعض الأحيان، بينما تلجأ لجان أخرى إلى تحديد القيمة السوقية للوحدة للوصول إلى القيمة الإيجارية.

 

هذا التباين في المناهج، وفقاً للدراسة، يؤدي حتماً إلى تفاوت كبير في التقديرات، حتى داخل المنطقة الواحدة أو العقار الواحد أحياناً، الأمر الذي يثير إشكالات تتعلق بمبدأ العدالة والمساواة بين المكلفين. كما أشار النائب إلى أن المادة (16) من القانون، الخاصة بلجان الطعن والتي تسمح للمصلحة بالطعن على التقديرات، قد تصل إلى حد إضرار الطاعن بطعنه، مما يستوجب إعادة النظر فيها.

 

رؤية جديدة لتقدير الضريبة العقارية

 

أكدت الدراسة على أهمية استحداث وسيلة جديدة لتقدير وعاء الضريبة تتسم بالبساطة والسهولة في التطبيق والشفافية والحيادية، بهدف الوصول إلى العدالة الضريبية المنشودة بين جميع المخاطبين بأحكام هذا القانون. ومن المقترحات الجوهرية في هذا السياق، تحديد وعاء الضريبة بشكل موحد لكل منطقة، وذلك عبر وضع سعر ضريبي للمتر المربع يختلف باختلاف طبيعة المنطقة وموقعها (شارع رئيسي، شارع جانبي، حارة، أو زقاق).

 

ولتحقيق ذلك، اقترحت الدراسة تشكيل لجنة عليا يشارك في عضويتها ممثلون عن كافة الجهات المعنية بالتعامل مع العقارات المبنية، مثل هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وهيئة التنمية السياحية، وهيئة المساحة، ومصلحة الشهر العقاري والتوثيق، وغيرها من الجهات ذات الصلة.

 

ستتولى هذه اللجنة مهمة إعداد دليل أسعار استرشادي شامل لسعر المتر الضريبي في جميع محافظات الجمهورية، بما يضمن توحيد معايير التقييم ويحد من السلطة التقديرية المطلقة للجان الحصر والتقدير.

 

تطلعات نحو تحفيز الاقتصاد الوطني

 

تُعلق آمال كبيرة على هذه الدراسة لتكون نقطة انطلاق نحو تعديلات تشريعية جوهرية من شأنها تحفيز القطاع العقاري في مصر، وجذب المزيد من الاستثمارات، خاصة في القطاعات الإنتاجية والصناعية التي تعد قاطرة للنمو. كما أن معالجة إشكاليات التقييم وتوحيد المعايير من شأنه أن يقلل من حجم المنازعات الضريبية، التي تستنزف الوقت والجهد وتؤخر تحصيل مستحقات الدولة.

ومن المتوقع أن تسهم التعديلات المقترحة، في حال إقرارها وتطبيقها، في تحقيق قدر أكبر من العدالة الضريبية والاجتماعية، ومراعاة ظروف محدودي الدخل عبر مراجعة حدود الإعفاء بما يتناسب مع معدلات التضخم.

 

ويأتي هذا التحرك في إطار سعي الدولة المصرية المستمر لتحديث منظومتها التشريعية بما يتواءم مع متطلبات التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة، ويراعي مصالح المواطنين والمستثمرين على حد سواء، ويعزز من ثقة المجتمع في النظام الضريبي.

 

أكد النائب أكمل نجاتي على أن "الهدف الأسمى من هذه التعديلات المقترحة هو الوصول إلى نظام ضريبي عقاري يتسم بالإنصاف والعدالة، ويراعي البعد الاجتماعي، ويساهم بفعالية في تحفيز القطاع العقاري ليكون مصدراً حقيقياً للإيرادات يدعم مسيرة التنمية في البلاد."