تواترت أنباء من مصادر دبلوماسية مطلعة، لم يتم تأكيدها رسمياً بعد، تفيد بأن القاهرة قد استقرت على ترشيح الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري الحالي، لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، خلفاً للسيد أحمد أبو الغيط، الذي من المقرر أن تنتهي ولايته الثانية والأخيرة في مطلع مارس 2026.
ويأتي هذا الطرح في وقت مبكر نسبياً، مما يشير إلى رغبة مصرية في حسم هذا الملف الهام وتأمين دعم عربي واسع لمرشحها، نظراً للدور المحوري الذي تلعبه جامعة الدول العربية في تنسيق المواقف العربية والتعامل مع التحديات الإقليمية المتزايدة. ويعتبر منصب الأمين العام للجامعة منصباً رفيع المستوى يتطلب خبرة دبلوماسية وسياسية واسعة وقدرة على إدارة التوازنات الدقيقة بين الدول الأعضاء.
خلفية المرشح المحتمل وخبراته
يتمتع الدكتور مصطفى مدبولي، وهو مهندس معماري وأكاديمي شغل منصب وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية قبل توليه رئاسة الوزراء في يونيو 2018، بسيرة ذاتية حافلة في العمل التنفيذي والإداري. خلال فترة رئاسته للحكومة المصرية، أشرف مدبولي على تنفيذ العديد من المشروعات القومية الكبرى، وتعامل مع تحديات اقتصادية واجتماعية معقدة، بما في ذلك تداعيات جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية العالمية.
ويرى مراقبون أن خبرته في إدارة الملفات التنموية والاقتصادية، إلى جانب قدرته على التعامل مع الأزمات، قد تكون من العوامل التي دفعت القاهرة لطرح اسمه، خاصة في ظل الحاجة الملحة لتعزيز التعاون الاقتصادي العربي المشترك ومواجهة التحديات التنموية التي تواجه المنطقة.
إن اختيار مرشح لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية يخضع عادةً لمشاورات مكثفة بين الدول الأعضاء، ويسعى إلى تحقيق توافق عربي واسع. ورغم عدم وجود قاعدة مكتوبة تلزم بأن يكون الأمين العام من دولة المقر (مصر)، إلا أن العرف الدبلوماسي غالباً ما أعطى الأفضلية لمرشح مصري، بالنظر إلى الثقل السياسي والتاريخي لمصر ودورها كدولة مؤسسة للجامعة ومقر دائم لها.
ويعتقد أن طرح اسم مدبولي في هذا التوقيت يهدف إلى جس نبض العواصم العربية وبدء حوار مبكر حول مستقبل قيادة الجامعة، والسعي لبلورة رؤية مشتركة حول الدور المنشود للمنظمة في المرحلة القادمة التي تتسم بالاستقطاب الدولي وتصاعد الأزمات الإقليمية.
سيواجه الأمين العام القادم لجامعة الدول العربية تركة ثقيلة وملفات شائكة تتطلب حكمة ودراية واسعة. تتصدر القضية الفلسطينية قائمة الأولويات الدائمة، بالإضافة إلى الأزمات المستمرة في عدد من الدول العربية مثل السودان وليبيا واليمن وسوريا، والتي تستدعي جهوداً دبلوماسية مكثفة لإيجاد حلول سياسية شاملة. كما تبرز تحديات أخرى لا تقل أهمية، مثل قضايا الأمن المائي والغذائي، ومواجهة تداعيات التغير المناخي، وتعزيز التكامل الاقتصادي العربي، وتفعيل آليات العمل العربي المشترك لمواكبة التطورات العالمية المتسارعة. ويتطلب ذلك من الأمين العام الجديد قدرة فائقة على التنسيق وبناء الجسور وتوحيد الصف العربي.
ونقل عن مصدر دبلوماسي عربي، فضل عدم الكشف عن هويته، قوله: "إن المرحلة القادمة تتطلب قيادة ديناميكية للجامعة العربية، قادرة على بلورة مواقف عربية موحدة تجاه القضايا المصيرية، وتعزيز دور المنظمة على الساحتين الإقليمية والدولية. اسم الدكتور مدبولي، بخبرته التنفيذية الواسعة، يطرح كخيار جاد يستحق الدراسة من قبل الدول الأعضاء"
في الختام، يبقى ترشيح الدكتور مصطفى مدبولي مجرد أنباء متداولة حتى الآن، تنتظر تأكيداً رسمياً من القاهرة، ومن ثم عرضها على الدول الأعضاء للتشاور واتخاذ القرار إلا أن مجرد طرح اسمه يعكس اهتمام مصر بالحفاظ على دورها الريادي في المنظمة الإقليمية الأقدم، وسعيها لتقديم شخصية ترى أنها قادرة على قيادة دفة العمل العربي المشترك خلال فترة مليئة بالتحديات والفرص.
ومن المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة حراكاً دبلوماسياً نشطاً بين العواصم العربية لبحث هذا الملف الهام، الذي سيحدد ملامح قيادة جامعة الدول العربية للسنوات القادمة وتأثيرها على مجريات الأحداث في المنطقة.