مع اقتراب يوم عرفة، اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، يحرص كثير من المسلمين على اغتنام فضله واغتنام الفرص الإيمانية العظيمة التي يمنحها هذا اليوم، وعلى رأسها صيامه لما ورد في فضله من أحاديث نبوية شريفة.
ومع ذلك، يتساءل البعض عن حكم من يترك صيامه متعمدًا، وهل عليه إثم أو كفارة؟
في هذا الشأن، أوضح الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن صيام يوم عرفة سنة مؤكدة وليس فرضًا، وبالتالي فإن ترك صيامه عمدًا لا يترتب عليه إثم، ولا تجب على تاركه أي كفارة، خاصة إذا كان معذورًا كالمريض أو من يشق عليه الصوم.
جاء ذلك خلال مشاركته في برنامج "فتاوى الناس" المذاع على قناة الناس، حيث أكد أن صيام يوم عرفة هو من الأعمال التطوعية التي تُرجى بها مضاعفة الأجر والثواب، لكن لا يُعاقب تاركها.
وأشار إلى الحديث النبوي الشريف: «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده» رواه مسلم، والذي يُبين فضل هذا اليوم وأهمية اغتنامه، دون أن يحمل فيه إلزامًا شرعيًا على الصيام.
وأضاف أن الأصل في التكاليف الشرعية أن تكون مبنية على نصوص قطعية إذا كانت واجبة، وهو ما لم يرد في صيام يوم عرفة، لذا يُعد من أعمال النوافل.
ورداً على سؤال ورد من سيدة مريضة تُدعى فاطمة من محافظة الجيزة حول وجوب الكفارة إذا تركت صيام يوم عرفة بسبب مرضها، أكد الشيخ عويضة أنه لا كفارة في صيام التطوع، ومن لم يصمه فلا شيء عليه، فالله تعالى يقول: «لا يُكلف الله نفسًا إلا وسعها»، مشددًا على أن نية الخير تُكتب لصاحبها حتى وإن لم يتمكن من تنفيذها لعذر، وهي من مظاهر رحمة الإسلام وتيسيره.
وفي السياق ذاته، أكدت دار الإفتاء المصرية في فتوى رسمية منشورة على موقعها الإلكتروني، أن صيام يوم عرفة مستحب لغير الحاج، ويُكره للحاج إذا كان الصوم يضعفه عن الوقوف والدعاء في عرفات، وهو أفضل ما يؤديه المسلم في هذا اليوم المبارك، إذ أن القوة في أداء الشعائر أولى من صيام التطوع للحاج.
وتُستند الدار في هذا إلى ما ورد عن النبي ﷺ من أحاديث تبرز حرصه على صيام التسع الأوائل من ذي الحجة، ومنها يوم عرفة، فعن حفصة رضي الله عنها قالت: "أربع لم يكن يدعهن النبي ﷺ: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، وركعتين قبل الغداة" رواه النسائي.
أما عن فضل يوم عرفة نفسه، فقد خصه الله بفضائل عظيمة، منها أنه اليوم الذي أتم فيه الدين وأكمل فيه النعمة، وهو اليوم الذي يُعتق فيه من النار أكثر مما يُعتق في غيره، وفيه يباهي الله ملائكته بالحجاج الواقفين بعرفة، كما قال النبي ﷺ: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة».
وفيما يتعلق بتكفير الذنوب المرتبطة بصيام يوم عرفة، أوضح الفقهاء أن المقصود به غالبًا صغائر الذنوب، استنادًا إلى حديث «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» رواه مسلم، إلا أن بعض العلماء أشاروا إلى أن فضل الله أوسع من أن يُقيد، وأنه يُرجى أن يغفر الله حتى الكبائر لمن أخلص النية وتاب، والله أعلم.