شهدت مدينة الإسكندرية شمالي مصر، فجر يوم السبت 31 مايو 2025، عاصفة جوية غير مسبوقة في تاريخها الحديث، تميزت بتساقط نادر للثلوج، وأمطار رعدية غزيرة، ورياح شديدة تجاوزت سرعتها 50 كيلومترًا/الساعة، وسط أجواء قاسية فاجأت سكان المدينة وأثارت اهتمام الأوساط العلمية.
وفي وقت ترتفع فيه درجات الحرارة حول العالم بسبب التغير المناخي، جاءت الثلوج في الإسكندرية كحدث استثنائي، زاد من حالة الطوارئ، وأجبر السلطات على رفع درجة الاستعداد القصوى.
أسباب العاصفة: التقاء منخفض جوي مع انفجارات شمسية
الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة، أوضح أن ما شهدته المدينة لا يعد مجرد تقلب موسمي، بل هو نتاج تفاعل نادر بين منخفض جوي قوي وانفجارات شمسية شديدة، تزامنت بشكل مثالي لتُحدث هذه الأجواء غير المعتادة.
وأكد أن منطقة شرق البحر المتوسط، خاصة السواحل الشمالية لمصر، تعرضت لحالة عدم استقرار جوي ناتجة عن منخفض متحرك من مرسى مطروح نحو الإسكندرية، ومع دخول رياح شمالية باردة، بدأت درجات الحرارة في الهبوط، مما مهّد لتكوين سحب محملة بالثلوج.
لكن المفاجأة الكبرى كانت في الانفجارات الشمسية التي سبقت الحدث بيوم كامل، حيث سجلت انفجارين قويين يوم الجمعة، ثم موجة أخرى صباح السبت. هذه الظاهرة تؤثر على الأرض من خلال إرسال جسيمات عالية الطاقة وأشعة كهرومغناطيسية تخترق الغلاف الجوي، وتسبب تقلبات شديدة في الضغط الجوي، تؤدي إلى اضطرابات مناخية مفاجئة.
نشاط الشمس في الفترة الحالية ليس صدفة، بل هو جزء من الدورة الشمسية رقم 25، التي تمتد من عام 2019 إلى عام 2030، وتصل ذروتها في عامي 2024 و2025، مما يعني أن الكرة الأرضية معرضة لمزيد من الأحداث المرتبطة بزيادة التوهجات الشمسية والمجالات المغناطيسية.
وأكد الدكتور شراقي أن هذه الدورة شهدت بالفعل مظاهر مناخية استثنائية، مثل هطول أمطار غزيرة في أماكن لم تشهدها منذ قرون، مثل مناطق شرق العوينات وتوشكى خلال أغسطس 2024، مما يدل على أن النشاط الشمسي يلعب دورًا أكبر مما يُتصور في التأثير على المناخ المحلي والعالمي.
من جانبها، أكدت الهيئة العامة للأرصاد الجوية المصرية أن صور الأقمار الصناعية رصدت تكاثفًا كبيرًا للسحب المنخفضة والمتوسطة فوق السواحل الشمالية الغربية، خاصة في الإسكندرية، مما أدى إلى هطول أمطار رعدية وتساقط الثلوج على بعض المناطق.
كما أشارت الهيئة إلى أن الرياح العاتية ساهمت في إثارة الرمال والأتربة، مما زاد من صعوبة الرؤية في بعض المناطق، وتسببت في زيادة الإحساس بالبرودة رغم أن التقويم يُظهر دخول فصل الصيف.
لم تقتصر التأثيرات الجوية على الإسكندرية فقط، بل امتدت إلى مناطق من السواحل الغربية والوجه البحري، مع تسجيل فرص لسقوط أمطار رعدية على جنوب الوجه البحري كما حذرت الهيئة من نشاط رياح في جنوب الصعيد قد يؤدي إلى إثارة الأتربة، ما يستدعي اتخاذ إجراءات وقائية لتجنب تأثيرها على الصحة العامة، خصوصًا لأصحاب أمراض الجهاز التنفسي.
أعلنت السلطات في الإسكندرية حالة الطوارئ القصوى، وأرسلت فرق طوارئ وأجهزة شفط المياه إلى المناطق التي غمرتها السيول كما تم تفعيل غرف العمليات المحلية، لمتابعة البلاغات الواردة من المواطنين، والتعامل السريع مع الأعطال وانقطاع الكهرباء في بعض الأحياء.
ومن المتوقع أن تستمر الحالة الجوية غير المستقرة حتى مساء السبت 31 مايو، على أن تبدأ الأجواء في التحسن تدريجيًا اعتبارًا من صباح الأحد 1 يونيو، مع استمرار اضطراب البحر المتوسط حتى نهاية اليوم.
يشير ما حدث في الإسكندرية إلى تحول نوعي في الأنماط المناخية في مصر، ويُعيد فتح النقاش حول استعداد المدن الساحلية لمواجهة آثار التغير المناخي الممتزجة بالعوامل الفلكية مثل النشاط الشمسي كما يؤكد على ضرورة تحديث خطط الطوارئ والإنذار المبكر، وتكثيف الدراسات العلمية حول تأثير الظواهر الشمسية على مناخ مصر والمنطقة.