بعد ما يقرب من نصف قرن من العطاء المتواصل، أعلن توماسو ستاراسي، عامل غرفة الملابس الرئيسي في نادي نابولي الإيطالي، تقاعده عن العمل، ليختتم بذلك مسيرة استثنائية بدأت في أواخر سبعينيات القرن الماضي.
ستاراسي لم يكن مجرد موظف في النادي، بل تحول إلى أحد رموزه الحية، وذاكرة تنبض بتاريخ نابولي، بما يحمله من لحظات مجد ودموع وأفراح.
دخل ستاراسي نادي نابولي كمساعد طباخ، لكنه سرعان ما أصبح جزءاً لا يتجزأ من المنظومة اليومية للفريق، وتدرّج حتى أصبح مسؤولاً عن غرفة الملابس، وهي المهمة التي أداها بتفانٍ نادر.
على مدار 49 عاماً، لم يغب عن لحظة واحدة من لحظات النادي الكبرى، من البطولات المحلية إلى المناسبات الأوروبية، وكان شاهداً مباشراً على تحولات النادي عبر الأجيال، من فترة السبعينيات وحتى التتويج الأخير بلقب الدوري الإيطالي.
من أبرز المحطات التي عاشها ستاراسي كانت فترة الأسطورة دييغو أرماندو مارادونا، الذي قاد نابولي لتحقيق لقبي الدوري في موسمي 1986-1987 و1989-1990.
العلاقة بين النجم الأرجنتيني وستاراسي تجاوزت حدود العمل، حيث منحه مارادونا ثقته الكاملة، وكان يرى فيه شخصاً أقرب إلى العائلة منه إلى موظف في النادي.
وظهر ستاراسي في أكثر من صورة شهيرة إلى جانب مارادونا، ما جعله واحداً من الشخصيات المألوفة لجماهير نابولي التي عاشت تلك الحقبة الذهبية.
لكن دوره لم يقتصر على ترتيب القمصان أو إعداد مستلزمات اللاعبين، بل كان يُعرف أيضاً بطريقته الخاصة في تحضير القهوة باستخدام آلة الموكا، التي كان يقدمها للاعبين والمدربين، ما أكسبه محبة الجميع داخل غرفة الملابس.
ولعل هذه التفاصيل الصغيرة هي ما جعلت شخصيته محببة ومؤثرة، حيث اعتاد اللاعبون على بدء يومهم بكوب من قهوة "توماسو" التي كانت بمثابة طقس ثابت في أجواء الفريق.
ارتبط أيضاً بعلاقة خاصة مع النجم البلجيكي دريس ميرتنز، أحد أبرز لاعبي نابولي في السنوات الأخيرة، والذي اعتاد تحيته بتقليد رقصاته الشهيرة، وهو ما انتشر لاحقاً على وسائل التواصل الاجتماعي وأصبح رمزاً لعلاقة فريدة بين جيل حديث ووجه من وجوه الماضي العريق.
طوال مسيرته، عاش ستاراسي لحظات الانتصار والانكسار، وكان دائماً حاضراً بروحه المرحة وحبه العميق للنادي. شهد أربعة ألقاب دوري، كان آخرها التتويج التاريخي في موسم 2022-2023، ليُكمل دورة المجد التي بدأت مع مارادونا واستمرت حتى الحاضر.
برحيله، لا يفقد نابولي مجرد موظف مخضرم، بل يودع شخصية صنعت جزءاً من تاريخه خلف الكواليس، بأسلوبه الخاص ولمسته الإنسانية.
ستاراسي كان مرآة تعكس روح نابولي: البساطة، الشغف، والولاء اللامحدود. لقد كتب فصلاً فريداً في قصة هذا النادي الجنوبي، وسيبقى اسمه محفوراً في ذاكرة كل من مرّ يوماً عبر أبواب غرفة الملابس في ملعب دييغو أرماندو مارادونا.