في تصعيد جديد يعكس التوتر المتنامي بين روسيا ودول أوروبا الشرقية، أثارت تصريحات صدرت عن الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف بحق نجم هوكي الجليد التشيكي دومينيك هاسيك موجة من الغضب والإدانة، بعدما فهم منها أنها تهديد مبطن بالقتل، الأمر الذي دفع السلطات التشيكية إلى الرد بحزم، وفتح الباب أمام أزمة دبلوماسية ذات طابع رياضي سياسي.
القصة بدأت عقب تحطيم النجم الروسي ألكسندر أوفتشكين رقم واين جريتزكي التاريخي في عدد الأهداف بدوري هوكي الجليد الأمريكي، وهو إنجاز لاقى احتفاءً واسعًا داخل روسيا.
غير أن هذا النجاح لم يرق للنجم التشيكي المعتزل دومينيك هاسيك، المعروف بمواقفه المناهضة لوجود الرياضيين الروس في البطولات الدولية، في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا
وبحسب ما نقلته وكالة "تاس" الروسية، كتب ميدفيديف عبر قناته في "تيليجرام": "هاسيك قد ينتحر الآن بعد أن شاهد هذا الإنجاز الروسي الكبير".
ورغم محاولة البعض اعتبار التصريح ساخرًا أو تهكميًا، فإن الصيغة التي ورد بها أثارت جدلًا واسعًا، واعتبرت تهديدًا مباشرًا لحياة لاعب سابق يتمتع بمكانة وطنية كبيرة في بلاده.
في تحرك فوري، نشر هاسيك عبر منصة "إكس" (تويتر سابقًا) أنه وجّه خطابات رسمية إلى كل من الاتحاد الدولي لهوكي الجليد، واللجنة الأولمبية الدولية، معتبرًا أن ما صدر عن ميدفيديف "تحريض على القتل"، ومطالبًا بعدم السماح لروسيا "باستخدام الرياضة كغطاء دعائي لحربها في أوكرانيا".
وقال هاسيك في منشوره: "لقد استخدم ميدفيديف إنجازًا رياضيًا للترويج لأفكاره السياسية المسمومة، ولإرهاب الأصوات المعارضة له في الخارج. هذا ليس مقبولًا".
لم يمر التصريح الروسي مرور الكرام في العاصمة التشيكية براغ. فقد سارع رئيس الوزراء بيتر فيالا إلى التنديد العلني بما وصفه "تهديدًا مباشرًا لا يمكن تجاهله".
وكتب فيالا على منصة "إكس": "ميدفيديف ليس مجرد شخصية عابرة. إنه ممثل رسمي رفيع المستوى للكرملين، وتصريحاته بحق دومينيك هاسيك تمثل تجاوزًا لا يمكن السكوت عنه".
من جانبه، تعهد وزير الداخلية التشيكي فيت راكوسان بتوفير حماية لهاسيك إذا لزم الأمر، مشيرًا إلى أن الأجهزة الأمنية تأخذ التهديدات على محمل الجد، خاصة حين تصدر عن شخصيات بموقع ميدفيديف.
رد ميدفيديف، أو بالأحرى مساعده أوليغ أوسيبوف، لم يخفف من حدة الأزمة، بل صب الزيت على النار ففي تصريحات لوكالة "تاس"، قال أوسيبوف إن الرئيس السابق يعتقد أن هاسيك "يعاني من اضطراب نفسي"، مضيفًا بسخرية: "نصيحتي لهاسيك أن يعبر الشارع بحذر، وألا يشرب الجعة في أماكن غير مألوفة، وأن يزور طبيبًا نفسيًا بانتظام".
هذه العبارات، التي رآها كثيرون تلميحات غير مباشرة إلى استهداف شخصي، لاقت ردود فعل غاضبة، ودفعت منظمات رياضية وحقوقية إلى المطالبة بمحاسبة من يستخدم الرياضة كمنصة للتهديد السياسي.
يُعد دومينيك هاسيك واحدًا من أعظم حراس المرمى في تاريخ هوكي الجليد وقد انضم إلى قاعة مشاهير دوري الهوكي الأمريكي الشمالي (NHL)، وأسهم في فوز بلاده بالميدالية الذهبية الأولمبية في دورة ناغانو 1998، أول دورة يُسمح فيها لنجوم دوري المحترفين بالمشاركة.
منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، اتخذ هاسيك مواقف علنية شديدة ضد مشاركة اللاعبين الروس في المسابقات الدولية، واصفًا ذلك بـ"التطبيع غير المقبول لجرائم الحرب".
تأتي هذه الأزمة في وقت تشهد فيه العلاقات بين موسكو والدول الأوروبية توترًا غير مسبوق، خاصةً مع تصاعد الجدل حول استخدام روسيا للرياضة كأداة ناعمة لتعزيز حضورها الدولي رغم العقوبات.
وبينما كان يفترض أن تظل الرياضة مساحة للتقارب والسلام، تحوّلت في هذه القضية إلى ساحة جديدة للصراع الرمزي بين روسيا والغرب، حيث بات اللاعبون السابقون أنفسهم أهدافًا محتملة في معارك التصريحات والتهديدات المتبادلة.