في وقت تعصف فيه التوترات الجيوسياسية حول العالم، تبدو وزارة الدفاع الأمريكية غارقة في أزمة داخلية متصاعدة، تسلط الضوء على هشاشة القيادة في واحدة من أهم المؤسسات السيادية في البلاد فقد كشف تقرير موسع نشره موقع "بوليتيكو" الأمريكي عن ما وصفه بـ"فوضى داخلية" تضرب أروقة البنتاغون منذ تولي الإعلامي السابق في قناة "فوكس نيوز"، بيت هيغسيث، منصب وزير الدفاع في إدارة الرئيس دونالد ترامب.

 

التقرير لم يكتف بعرض مظاهر الخلاف، بل رسم صورة مقلقة لصراع نفوذ وتجاذبات شخصية أضعفت الوزارة، وأثارت تساؤلات جدية حول قدرة الوزير على إدارة جهاز بيروقراطي ضخم ومعقّد مثل البنتاغون.

 

عندما اختار ترامب بيت هيغسيث وزيرًا للدفاع، قوبل القرار حينها بانتقادات واسعة، نظرًا لافتقار الرجل لخلفية عسكرية أو خبرة إدارية عميقة. لكن الرهان كان على إحاطته بفريق كفء يعوّض هذا النقص. إلا أن ما جرى لاحقًا، بحسب التقرير، كان العكس تمامًا.

 

فقد أحاط هيغسيث نفسه بمجموعة من المستشارين والمقربين، سرعان ما تحوّلوا إلى أقطاب متنازعة، تتنافس على النفوذ والقرار داخل الوزارة. تطورت هذه الخلافات من همسات خلف الأبواب إلى عمليات إقالة، وتسريبات صحفية، واتهامات متبادلة، ما ولّد مناخًا من انعدام الثقة داخل واحدة من أكثر المؤسسات حساسية في الدولة.

 

على عكس المعتاد في إدارة ترامب، التي غالبًا ما تعاني من انقسامات أيديولوجية بين المحافظين التقليديين وأنصار تيار "أمريكا أولًا"، فإن الصراع داخل البنتاغون، كما يصفه التقرير، لا علاقة له بالسياسة. بل هو، وفق مصادر مطلعة، خلاف شخصي بحت، يدور بين أجنحة متعددة تحاول كل منها فرض السيطرة المطلقة على القرار داخل الوزارة.

 

وقال أحد المسؤولين السابقين، بحسب "بوليتيكو": "ما يحدث ليس خلافًا حول السياسات أو التوجهات الاستراتيجية، بل صراع على السلطة، تُستخدم فيه التسريبات والتعيينات والإقالات كسلاح".

 

بلغ التوتر ذروته عندما أقال الوزير ثلاثة من كبار موظفيه: دان كالدويل (المستشار الأول)، دارين سلنيك (نائب رئيس المكتب)، وكولين كارول (رئيس مكتب نائب الوزير) وقد جاءت هذه الإقالات، وفق التقرير، في سياق محاولة لإحكام السيطرة على دوائر اتخاذ القرار داخل الوزارة.

 

لكن المفاجأة كانت أن هؤلاء الموظفين المقالين كانوا يُعتبرون من أقرب المقرّبين من هيغسيث. واعتبرت الخطوة بمثابة انقلاب داخل الفريق الرئاسي نفسه.

 

في المقابل، ظهرت اتهامات ضد رئيس مكتب الوزير المستقيل، جو كاسبر، بأنه يقف وراء خلق بيئة عمل سامة، وكان لاعبًا رئيسيًا في تحريك المياه الراكدة للإطاحة بزملائه. وبينما نفى كاسبر ارتكاب أي مخالفات، لا تزال الشكوك تدور حول دوره الحقيقي في الأزمة.

 

دخل البيت الأبيض على خط الأزمة، إذ صرّحت المتحدثة باسمه، كارولين ليفيت، بأن الإقالات جاءت على خلفية تسريبات متكررة إلى الإعلام، بعضها كان يتعلّق بمعلومات "بالغة الحساسية" ووصفت ما يحدث بأنه "حملة تشويه منظمة داخل وزارة الدفاع"، تهدف للإضرار بسمعة الوزير.

 

وأضافت ليفيت خلال مؤتمر صحفي: "منذ اليوم الأول لهذه الإدارة، كنا واضحين أننا لا نتسامح مع التسريبات، خصوصًا إذا تعلقت بالأمن القومي".

 

في ظل هذه الاضطرابات، طفت على السطح فضيحة أخرى هزّت صورة هيغسيث أكثر، بعد تسريب معلومات تفيد بأنه شارك، دون قصد، تفاصيل حساسة بشأن ضربات أمريكية محتملة في اليمن عبر تطبيق "سيغنال"، مع عدد من المسؤولين والصحفيين وحتى أفراد من عائلته ورغم محاولة التقليل من خطورة الحادثة، فإنها أضافت مزيدًا من العناوين السلبية التي تحيط بأداء الوزير.

 

ووفق مصدر داخل الوزارة، فإن "هناك انهيارًا واضحًا في الهيكل الإداري، وكل ذلك ينعكس مباشرة على قيادة الوزير، الذي يبدو أنه فقد السيطرة على فريقه، بل وعلى صورته كوزير موثوق".

 

تعيش وزارة الدفاع الأمريكية واحدة من أعقد لحظاتها المؤسسية منذ سنوات. فبدلًا من أن تتركز جهودها على الملفات الدولية المعقدة، من أوكرانيا إلى بحر الصين، تجد نفسها منشغلة بصراعات داخلية تُهدد وحدة القرار واستقرار القيادة.

 

ورغم أن الوزير هيغسيث لا يزال يحظى بدعم من الرئيس ترامب، فإن استمرارية هذا الدعم باتت مهددة مع تصاعد العناوين السلبية، والضغط السياسي والإعلامي وربما تكون الأيام القادمة حاسمة في تقرير ما إذا كان سيبقى على رأس البنتاغون، أم أن الباب سيكون مفتوحًا لاستقالة أو إقالة تضع حدًا للفوضى التي يشهدها "أقوى مبنى في واشنطن".