عانى الجيش السوري منذ سنوات من تعدد الولاءات الوحدوية وتباين الهيكلة، حيث نشأت خلال الأزمة عدد من الفصائل شبه العسكرية والميليشيات المحلية، الأمر الذي أدى إلى تداخل مهام القوات النظامية وغير النظامية، وظهور فجوات في التنسيق العملياتي والاستخباري، ما انعكس سلبًا على فعالية الردع والأمن الداخلي، وأفرز مخاوف من استغلال بعض الوحدات لنفوذها في تفتيت القرار المركزي، الأمر الذي استلزم تدخلًا سريعًا لإعادة صياغة الإطار التنظيمي للقوات المسلحة.

 

أتي الإعلان عن دمج جميع الوحدات العسكرية تحت مظلة وزارة الدفاع خلال عشرة أيام مرفوعًا برؤية واضحة، تهدف أولًا إلى توحيد القيادات العسكرية، ورفع مستوى الانضباط داخل صفوف الجنود، ثانيًا إلى ترشيد الموارد المادية والبشرية، من خلال إلغاء الهيئات الموازية وتقليص الإنفاق الفائض، وثالثًا إلى تعزيز القدرة على التخطيط طويل الأمد، إذ بات بالإمكان بناء جداول تدريب مشتركة، وتوحيد معايير الزي العسكرية والتسليح، مما يسهم في رفع مستوى الجاهزية القتالية وسط تحديات أمنية وإقليمية متعددة.

 

الإجراءات التنفيذية ومراحل الدمج

 

حدد وزير الدفاع سلسلة من الخطوات التنفيذية تبدأ بتشكيل لجنة عسكرية إدارية مختصة تعنى بإحصاء عدد الوحدات والمقاتلين، وتقييم مستويات التدريب والتسليح، يلي ذلك مرحلة إعادة توزيع الكوادر إلى وحدات قائمة، أو دمجها ضمن تشكيلات جديدة، كما سيتم إصدار هويات عسكرية إلكترونية مُوحّدة لكل عنصر، لضمان تتبع سجلات التدريب والمهام بدقة، ويُتوقع أن تشمل الخطوات أيضًا توقيع عقود جديدة مع الشركات المزودة للمستلزمات العسكرية، ما يتطلب مراجعة العقود السابقة التي أبرمتها بعض الفصائل بشكل مستقل.

 

 

لاقى الإعلان ترحيبًا نسبيًا داخل الأوساط الرسمية والعسكرية، حيث اعتبره ضباط ميدانيون فرصة لتحسين التنسيق وتقليل الازدواجية في الأوامر، فيما أعرب بعض المقاتلين المندمجين عن تخوّف من فقدان منصب قيادي ضمن تشكيلاتهم الأصغر، إلا أن الخبير الأمني العميد المتقاعد سامر الحياري اعتبر الخطوة “ضرورية لإعادة الجيش إلى وضعه المؤسسي الصحيح وضمان الولاء للدولة قبل أي اعتبارات أخرى”

 

تأتي هذه الخطوة في وقت تشهد فيه المنطقة تصاعدًا في التوترات، سواء في الجوار التركي أو على الحدود الجنوبية مع الأردن، ومن المتوقع أن ينعكس الدمج على قدرة سوريا في تأمين حدودها ومنع تسلل الجماعات المسلحة، كما يرسل رسالة إلى القوى الإقليمية بقدرة دمشق على الحفاظ على وحدة قرارها العسكري، وقد اعتبرت مصادر دبلوماسية غربية أن الخطوة قد تفتح الباب أمام إعادة النظر في ملف المساعدات الأمنية لبعض الدول التي ربطت دعمها بمدى سيطرة الحكومة على القوى الموازية.

 

ورغم الحماس الرسمي، ثمة تحديات عدة تواجه إنجاح المشروع، أولها إدارة النزعات القبلية والمحلية داخل بعض الوحدات التي نشأت من بيئات محددة، ثانيًا الحاجة إلى تأهيل كوادر إدارية قادرة على استيعاب الأعداد الكبيرة وإعادة توزيع الضباط، وثالثًا مخاطر الاحتكاك بين مقاتلين اعتادوا على استقلالية القرار ومسؤولين جدد يفرضون آليات الرقابة، إضافة إلى ضرورة توفير الموازنات الكافية لتوحيد الرواتب وتغطية تكاليف التكنولوجيا المستخدمة في الهوية الإلكترونية.

 

ختم الإعلان بتأكيد وزير الدفاع على مراجعة دورية للنتائج كل خمسة عشر يومًا خلال المرحلة الأولى، وإعداد تقرير نهائي بعد عام من بدء الدمج، يقيم مدى تحقيق الأهداف الاستراتيجية ويقترح تعديلات إن لزم الأمر، مع فتح قنوات للتظلم وشكاوى العناصر العسكرية لضمان انسيابية الانتقال وشفافيته، وأشير إلى نية القيادة العليا في دمج هذا المشروع ضمن رؤية شاملة لإصلاح الجيش خلال خمس سنوات، تشمل تطوير الصناعات الدفاعية المحلية، وتحديث البنية التحتية للمقرات العسكرية، بما يعكس طموحًا لإعادة بناء قوة نظامية متماسكة، قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية بكفاءة واحترافية.