أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن استئناف أعمال إنشاء بؤرة استيطانية جديدة على أراضي فلسطينية شرقي مدينة رام الله، في خطوة اعتبرها مراقبون توسعاً واضحاً للمستوطنات في قلب الضفة الغربية، وقد بدأت الجرافات بتمهيد الطرق تمهيداً لبناء أولى الوحدات السكنية العائدة للمستوطنين، بينما تواصل لجان تابعة لما يُسمى "المجلس الإقليمي" استقبال طلبات المتقدمين للاستيطان، وهو ما يؤشر إلى مخطط طويل الأمد لضم المزيد من الأراضي الفلسطينية لصالح التوسع الاستيطاني في أحد أكثر المواقع حساسية واستراتيجية قرب مدينة القدس المحتلة.

 

تأتي هذه الخطوة في سياق انتهاكات متواترة للقانون الدولي الإنساني الذي يحظر نقل مدنيين محتلين إلى الأراضي المحتلة، كما تعارضها جميع القرارات الأممية ذات الصلة، بينما تُبرر الحكومة الإسرائيلية قرارها بمزاعم أمنية وبحجة سد "الثغرات" التي قد تسمح بظهور خلايا فلسطينية مسلحة قرب المستوطنات القائمة، وقد حظي الإعلان بموافقة محلية ضمن الكنيست، إذ صادقته لجنة مراقبة البناء الاستيطاني دون نقاش يُذكر، مما يُظهر تناغماً حكومياً مع أطراف اليمين المتطرف الداعمة لفرض الأمر الواقع على الأرض.

 

في الوقت نفسه، تشدد قوات الاحتلال حصارها على بلدتي بروقين وكفر الديك شمال غرب مدينة سلفيت، حيث أغلقت الحواجز الطرقية الموصلة إليهما بالكامل، ومنعت دخول المواد الغذائية والوقود والأدوية، كما اعتقلت العشرات من الأهالي خلال مداهمات ليلية، واتهمتهم بالتصدي لعناصر المستوطنين الذين تصاعدت اعتداءاتهم ضد المزارعين الفلسطينيين، ما دفع سلطة المياه والبلديات المحلية إلى إيقاف خدمات الصرف الصحي وتحلية المياه بفعل عجزها عن إيصال المولدات والصهاريج، في مشهد إنساني يضيق الخناق على نحو ٨ آلاف نسمة يعيشون تحت وطأة الخوف والإحباط.

 

نددت القيادة الفلسطينية بقرار الاحتلال ووصفته بأنه "جريمة تهويد جديدة" لمدينة القدس، وطالبت المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لوقف هذا العبث بالقانون، فيما أصدرت اللجنة الرباعية الدولية بياناً دعا فيه إسرائيل إلى الالتزام بقرارات الشرعية الدولية والتوقف عن أي عمل جديد يغير المعالم الديموغرافية للضفة الغربية، ودعت الأمم المتحدة مجلس الأمن إلى عقد جلسة طارئة لبحث العنف المرافق للتوسع الاستيطاني، بينما أكدت وزارة الخارجية الفلسطينية عزمها على اللجوء لمحكمة الجنايات الدولية لتقديم شكاوى قانونية ضد المسؤولين عن القرار، ولتثبيط الإجراءات التي تقوض فرصة تحقيق السلام.

 

لا يقتصر التهديد على التوسع العمراني فحسب، بل يمتد إلى سلب الأراضي الزراعية الخصبة التي يعتمد عليها مئات العائلات إن لم نقل آلافهم لتأمين رزقهم اليومي، إذ وثّق أصحاب الأراضي محاولات لقطع أشجار الزيتون المثمرة وإتلاف البنى التحتية من آبار ري وخزانات مياه، بجانب الحرمان من الوصول إلى أراضيهم لأشهر متتالية، وهو ما تسبب بانخفاض إنتاج المحصول الزراعي بنسبة قاربت ٧٠٪ مقارنة بالمواسم السابقة، وسط غياب أي تعويضات أو تعويض جزئي لا يغطي تكاليف إعادة تأهيل الأراضي.

 

ردّاً على ذلك، نظّم شباب من البلدتين فعاليات احتجاجية سلمية عند مفارق الطرق المؤدية إلى المواقع الاستيطانية، رفعوا خلالها لافتات تطالب بإلغاء القرار وردع الاحتلال، بينما دشّن ناشطون حملة إلكترونية عبر مواقع التواصل بعنوان #لا_لتهويد_شرق_رام_الله، لتوثيق الانتهاكات والضغط على الهيئات الدولية والصحف العالمية لنقل الصورة الحقيقية لما يجري على الأرض، كما شاركت منظمات حقوقية دولية في توثيق شهادات الأهالي وتقديمها كمادة ملف شكوي للهيئات الحقوقية الدولية.

 

مع استمرار الاستيطان والحصار على البلدتين، يزداد احتمال اشتعال مواجهات مباشرة بين أهالي المنطقة والقوات والمستوطنين، خصوصاً مع توفر خبرة لدى شباب مطلعين على طرق المقاومة الشعبية، فيما يمكن أن يستغل الاحتلال التوتر الواقع لتبرير تعزيز الوجود العسكري وتشييد حواجز جديدة، الأمر الذي قد يوسع دائرة النزاع لتشمل قرى وبلدات مجاورة، ويخلق حالة انعدام أمان قد تدفع الحكومة الفلسطينية إلى تبني استراتيجيات دفاعية جديدة أو السعي للمزيد من الدعم الدولي، وبالتالي يبقى المشهد مرهوناً بردود أفعال أهل الأرض والمجتمع الدولي على السواء.