شهد الوسط الغنائي في مصر خلال الأيام الماضية حالة من الجدل العارم، وذلك إثر وفاة المطرب الشعبي أحمد عامر. الوفاة المفاجئة، التي هزت قلوب محبيه وزملائه، لم تكن وحدها سبب الضجة، بل تبعتها موجة من ردود الفعل المثيرة للجدل من قبل بعض مطربي المهرجانات. هذه الردود، التي تنوعت بين إعلانات اعتزال مفاجئة وتساؤلات صادمة حول حرمانية الفن ومصير الفنان بعد الموت، أشعلت فتيل نقاش واسع على السوشيال ميديا، وانقسم الجمهور بين متعاطف ومنتقد، فيما تدخل رجال الدين لتقديم تفسيرات حول موقف الدين من الفن.
اعتزال مفاجئ ورسائل غامضة: مطربو المهرجانات في مرمى النيران
بدأت الشرارة الأولى للأزمة عندما نشر عدد من مطربي المهرجانات، من بينهم حمو بيكا، عمر كمال، وحسن شاكوش، منشورات عبر حساباتهم الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، تضمنت دعوات بالرحمة للمطرب الراحل أحمد عامر. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل امتد ليشمل عبارات مثل "حاسس إني مش هكمل"، "هو الفن حلال ولا حرام؟"، "اللهم توفني وأنت راضٍ عني"، و"أنا تايه ومش عارف أعمل إيه". هذه الكلمات، التي عكست حالة من الصراع الداخلي والقلق الوجودي، فتحت باب التأويلات على مصراعيه، وتسببت في انقسام حاد بين رواد السوشيال ميديا. البعض رأى في هذه المنشورات تعبيرًا صادقًا عن الخوف والتأثر بوفاة زميلهم، بينما اتهمهم آخرون بالبحث عن الشهرة واستغلال الحدث لتحقيق مكاسب شخصية. هذا الجدل المتصاعد دفع بعض الدعاة ورجال الدين إلى التدخل لتقديم وجهة نظر دينية متوازنة، مؤكدين أن الفن في ذاته ليس حرامًا، وأن العبرة تكمن في المحتوى والمضمون الذي يقدمه الفنان. الشيخ خالد الجندي، على سبيل المثال، صرح في أحد البرامج التلفزيونية بأن "الغناء مش حرام في ذاته.. الحرام في الكلمة الخارجة والمضمون الهابط، أما الفن اللي بيهذب النفس، ده عبادة من نوع راقٍ".
صحوة ضمير أم أزمة هوية؟ تساؤلات حول دوافع الفنانين
يثير هذا الجدل تساؤلات جوهرية حول دوافع هؤلاء الفنانين. هل ما نشهده هو صحوة ضمير حقيقية بعد رؤية الموت قريبًا، أم مجرد أزمة هوية وضغط مجتمعي يتعرض له نجوم المهرجانات الذين يعيشون بين تناقضات الشهرة، والنقد، والدين، والشعبية؟ الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة، فمن المؤكد أن وفاة أحمد عامر شكلت صدمة كبيرة للجميع، ودفعتهم إلى إعادة التفكير في مسيرتهم الفنية ومصيرهم المحتمل. لكن في الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل الضغوط المجتمعية التي يتعرض لها هؤلاء الفنانون، والذين غالبًا ما يواجهون انتقادات لاذعة بسبب طبيعة فنهم ومظاهر حياتهم. هذا التناقض بين الشهرة والشعبية من جهة، والنقد والرفض من جهة أخرى، قد يدفعهم إلى التساؤل عن جدوى ما يفعلونه، وعما إذا كان هذا الفن يرضي الله والمجتمع.
صمت النقابة ومطالبات بالتوضيح: غياب الدور الرقابي والتوجيهي
في خضم هذا الجدل المحتدم، يبرز صمت نقابة الموسيقيين كأحد أبرز أوجه القصور. حتى الآن، لم تصدر النقابة أي تعليق رسمي على موجة الاعتزال والتساؤلات حول حرمانية الفن، رغم أنها سبق وواجهت أزمات مشابهة مع بعض فناني المهرجانات. هذا الصمت يثير تساؤلات حول دور النقابة في توجيه الفنانين وحماية حقوقهم، وفي الوقت نفسه، الحفاظ على القيم والأخلاق العامة. في المقابل، طالب البعض من الجمهور بضرورة تدخل النقابة وفتح حوار حقيقي عن حدود الفن، ودور الفنان، ومتى يكون الفن رسالة سامية لا مجرد وسيلة للربح أو الشهرة. هذه المطالبات تعكس شعورًا عامًا بالإحباط من غياب الدور الرقابي والتوجيهي للنقابة، والتي يُنظر إليها على أنها الجهة المسؤولة عن تنظيم العمل الفني وحماية حقوق الفنانين، وفي الوقت نفسه، ضمان عدم تجاوز الفن للخطوط الحمراء.
ردود فعل الفنانين ورفض حذف أغاني الراحل أحمد عامر
على الجانب الآخر، خرج الكثير من المطربين والفنانين عن صمتهم للرد على، مطالبات مؤديي المهرجانات، بعد مطالبهم بحذف أغاني أحمد عامر. الفنان صبري فواز، على سبيل المثال، انتقد هذه المطالبات بشدة، مؤكدًا على أهمية التعليم والثقافة في فهم الفن وتقديره. كما علّق الشاعر الغنائي محمد عاطف على موجة حذف أغاني المطرب الراحل أحمد عامر من قنوات بعض الفنانين، معبرًا عن رفضه لهذا التصرف، ومؤكدًا على أن الفن هو تراث الفنان وشقاؤه، ولا يجوز مسحه بعد وفاته. المطربة رحمة محسن أيضًا انتقدت من يزايدون على علاقة الفنانين بربهم، ودعت إلى التوقف عن إطلاق الأحكام المسبقة والتركيز على إصلاح الذات بدلًا من انتقاد الآخرين. هذه الردود تعكس رفضًا واسعًا لمحاولات تسييس الفن وتوظيفه لأغراض دينية أو شخصية، وتؤكد على أهمية احترام إبداع الفنان وتقدير جهوده، بغض النظر عن طبيعة الفن الذي يقدمه.