في هذا التوقيت من كل عام، تعيش آلاف البيوت المصرية حالة من الترقب المشحون، وكأن الزمن توقف في انتظار لحظة واحدة فقط؛ إعلان نتيجة الثانوية العامة. يتغير طقس اليوم العادي، لتُصبح أصوات التلفاز همسًا، وتُلغى الزيارات العائلية، ونزهة العيد، وحتى الضحك يصبح مؤجلًا بعد المرور من هذا «الكابوس السنوي» بسلام. هذه الفترة، التي تمتد لأسابيع من الامتحانات، ليست مجرد اختبار للطلاب، بل هي اختبار حقيقي لصبر العائلات المصرية، وخاصة الأمهات. القلق يسيطر على الأجواء، والدعوات تملأ البيوت، والأمل يظل مشتعلاً حتى اللحظة الحاسمة. تتغير الأولويات، وتتوقف الحياة الروتينية، ليصبح كل شيء مرتبطًا بمصير واحد: نتيجة الثانوية العامة.
قلوب الأمهات في الثانوية العامة: قلق وأمل ودعاء
هي ليست فقط أيامًا عصيبة للطلاب، بل أيضًا اختبار حقيقي لصبر الأمهات وقوتهن، وقلوبهن التي تنبض مع كل لجنة، وكل سؤال، وكل مكالمة هاتفية بعد كل امتحان. من قلب هذا المشهد المتوتر، استمعت «المصري اليوم» لثلاث أمهات من القاهرة، عشن التجربة بكل تفاصيلها: «منى، وإيمان، وإلهام».. لكل واحدة منهن قصة مملوءة بالقلق، لكن أيضًا بالأمل والدعاء. منى عبد الشافي، ربة منزل، تعيش التجربة للمرة الأولى مع ابنتها الكبرى. بصوت يختلط فيه التوتر بالدعاء، قالت: «من أول امتحان حاسة إن أنا اللى داخلة اللجنة مش بنتى. بعيط كل مرة لحد ما تكلمنى تقولى خلصت. بطبطب عليها، وبقولها: هانت، قربنا. حياتنا واقفة بقالها شهور، لا خروج ولا صوت عالى، لا موبايل ولا زيارات. كل حاجة متأجلة. ربنا يجبر بخاطرهم يا رب.» كلماتها تعكس حالة الكثير من الأمهات اللاتي يشاركن أبنائهن وبناتهن هذه التجربة بكل جوارحهن.
تجارب الأمهات: منى، إيمان، وإلهام
إيمان كمال، موظفة وأم لأربعة أبناء، تخوض التجربة مع ابنتها «منة»، وقالت: «دي أول مرة نعيش الثانوية العامة في البيت، وطلعت أصعب مما كنت متخيلة. بحاول أكون هادية وأوفر لها الجو اللى يساعدها. نفسي تدخل كلية تحبها وتشتغل في مجال بتحبه. أنا بشتغل بقالي أكتر من ٢٠ سنة، وبقول لولادي: الشغل مهم، مش بس الشهادة». وتضيف إيمان: «أنا أصلًا مش من الناس اللى بتهتم بالسوشيال ميديا، بس فجأة لقيت نفسي كل يوم على الفيسبوك مستنية بوست من وزارة التربية والتعليم، وبشوف فيديوهات لمدرسين بيحللوا الامتحانات. بقيت متابعة كأني داخلة الامتحان معاها». هذا التحول في سلوك إيمان يعكس مدى تأثير الثانوية العامة على حياة الأمهات، وكيف يصبحن جزءًا لا يتجزأ من هذه المرحلة المصيرية.
دعم مستمر وتغذية صحية لزيادة التركيز
أما إلهام طه، فتخوض التجربة للمرة الثانية مع ابنتها «سلمى» بعد شقيقها الأكبر «عمر»، مؤكدة أن القلق لا يقل، بل يزداد: «رغم إن التجربة مش جديدة. المواد أصعب والدروس أكتر. أنا فى ضهرها طول الوقت، بحاول أكون سند، بس الأمهات دايمًا شايلة الهم فى كل خطوة لولادها». وطوال فترة الامتحانات، أصبحت إلهام تتابع وصفات المشروبات والأكلات المنتشرة على السوشيال ميديا التى تساهم فى زيادة التركيز، وتوضح: «بقيت أدور على حاجات زى عصير البنجر أو الزبيب باللبن، وحاجات تساعدها تركز». هذا الاهتمام بالتغذية يعكس حرص الأمهات على توفير كل ما يلزم لأبنائهن لتجاوز هذه المرحلة بنجاح.
الوقوف بجانب الأبناء حتى النهاية
وتختتم إلهام حديثها قائلة: «بفضل قاعدة أراجع معاها قبل كل امتحان، وبطمنها على قد ما أقدر. بروح معاها وأستناها بره، لأنى بخاف تطلع تعبانة أو متوترة وما تعرفش ترجع لوحدها. قلبى معاها من أول ما تدخل لحد ما تخرج». هذه الكلمات تلخص دور الأم في فترة الثانوية العامة، فهي السند والدعم والحماية. إنها القوة التي تدفع الأبناء إلى الأمام، والأمل الذي يضيء لهم الطريق. فالثانوية العامة ليست مجرد امتحان، بل هي تجربة مشتركة بين الأبناء والأمهات، يتشاركون فيها القلق والأمل والدعاء، حتى تحقيق النجاح المنشود.