هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بملاحقة الصحفيين الذين نشروا تفاصيل مسربة من تقرير استخباراتي أمريكي يقيم تأثير الضربات العسكرية الأمريكية الأخيرة على إيران. وزعم ترامب أن إدارته قد تلاحق هؤلاء المراسلين والمصادر قضائيًا إذا لم يمتثلوا ويكشفوا عن مصادرهم. تأتي هذه التصريحات في سياق تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، وتناقضات في المعلومات المتداولة حول مدى نجاح الضربات الأمريكية في تعطيل البرنامج النووي الإيراني. يرى مراقبون أن هذه التهديدات تمثل تصعيدًا خطيرًا في موقف الإدارة الأمريكية تجاه حرية الصحافة، وتثير مخاوف بشأن محاولة تكميم الأفواه وتقويض دور الإعلام في كشف الحقائق.

 

ترامب يصر على نجاح الضربات وينتقد التقييم الاستخباراتي المسرب

 

في مقابلة مع مذيعة فوكس نيوز، ماريا بارتيرومو، أكد ترامب ادعاءه بأن الغارات الجوية التي استهدفت منشآت إيرانية معينة في 21 يونيو قد شلت البرنامج النووي الإيراني بنجاح. وأصر على أن الهجمات دمرت مخزونات رئيسية من اليورانيوم المخصب، رغم تأكيدات إيران بأن المواد نُقلت قبل الغارات. ورفض ترامب التقييم الاستخباراتي المسرب محل الجدل، والذي أشار إلى أن الضربات لم تعطل التطوير النووي الإيراني إلا مؤقتًا، ووصفه بأنه ناقص ومتحيز. وخلص التقرير، الذي تم تداوله بين المشرعين الأمريكيين ومسؤولي الاستخبارات، إلى أن الضرر الناجم كان أقل بكثير مما زعمته إدارة ترامب علنًا. هذا التناقض بين تصريحات الرئيس والتقييم الاستخباراتي يثير تساؤلات حول مدى دقة المعلومات التي تقدمها الإدارة الأمريكية للجمهور حول هذا الملف الحساس. إن إصرار ترامب على روايته الخاصة، رغم الأدلة المخالفة، يعكس رغبة في التحكم في السرد الإعلامي وتوجيه الرأي العام.

 

هجوم على الديمقراطيين ووسائل الإعلام وتهديدات قانونية

 

هاجم الرئيس الأمريكي كلًا من المشرعين الديمقراطيين ووسائل الإعلام لنشرهم أجزاءً من التحليل السري، ثم هدد بعواقب قانونية على المسؤولين. وخلال المقابلة، أشارت بارتيرومو إلى منشور نشره ترامب على مواقع التواصل الاجتماعي قبل أيام، كتب فيه: «الديمقراطيون هم من سربوا المعلومات عن الرحلة المثالية إلى المواقع النووية في إيران، يجب محاكمتهم!». وأكد ترامب على الهواء مباشرة أنه «يجب محاكمتهم». وحين سألت المذيعة ترامب من هو بالتحديد؟، رد عليها الرئيس الأمريكي: «يمكنكم معرفة ذلك- إذا أرادوا، فيمكنهم معرفة ذلك بسهولة». هذا الهجوم المباشر على الديمقراطيين ووسائل الإعلام يعكس استراتيجية ترامب المعهودة في تحميل خصومه السياسيين والإعلام المسؤولية عن أي تسريبات أو معلومات لا تخدم مصالحه. إن التهديد بالمحاكمة يمثل تصعيدًا خطيرًا في هذه الاستراتيجية، ويثير مخاوف جدية بشأن حرية التعبير وحق الجمهور في معرفة الحقائق.

انتقادات لـ CNN ونيويورك تايمز ولوائح باتخاذ إجراء قانوني

 

في الأيام الأخيرة بعد الضربة الأمريكية لمنشآت إيران النووية، هاجم ترامب شبكتي CNN ونيويورك تايمز بسبب تغطيتهما للضربات، وأدان حينها التغطية ووصفها بأنها «غير وطنية»، بل ولوح بإمكانية اتخاذ إجراء قانوني. وأفادت CNN ونيويورك تايمز، إلى جانب وسائل إعلام أخرى، أن النتائج الأولية لوكالة استخبارات الدفاع الأمريكية أشارت إلى أن الضربات لم تحقق سوى نجاح محدود، ووفقًا للتقييم، فإن القصف أخر طموحات إيران النووية لعدة أشهر، لكنه لم يدمر البرنامج تمامًا. وفي المقابل، أصر ترامب مرارًا وتكرارًا على أن 3 منشآت نووية قد «دمرت»، متحدثًا بالتفصيل عن الكيفية التي قد تتبعها إدارته للوصول إلى مصادر التسريب. إن هذه التصريحات المتضاربة والتهديدات القانونية تهدف إلى تقويض مصداقية وسائل الإعلام التي تنشر معلومات لا تتفق مع رواية الإدارة الأمريكية.

 

مخاوف بشأن حرية الصحافة ودور الإعلام

 

تثير هذه التطورات مخاوف جدية بشأن حرية الصحافة ودور الإعلام في كشف الحقائق ومحاسبة السلطة. إن تهديد الصحفيين بالملاحقة القضائية لكشف مصادرهم يمثل محاولة لترهيبهم وتخويفهم، ويقوض قدرتهم على أداء واجبهم في إطلاع الجمهور على المعلومات الهامة. إن حرية الصحافة هي حجر الزاوية في أي مجتمع ديمقراطي، وأي محاولة لتقويضها تمثل تهديدًا للديمقراطية نفسها. من الضروري أن تتصدى وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني لهذه التهديدات، وأن تدافع عن حق الصحفيين في حماية مصادرهم ونشر الحقائق دون خوف أو ترهيب. إن مستقبل حرية الصحافة في الولايات المتحدة، وفي العالم أجمع، يعتمد على قدرتنا على حماية هذا الحق الأساسي من أي اعتداء.