في أعقاب ثورة 30 يونيو المجيدة، شهدت مصر تحولًا جذريًا نحو التنمية الشاملة والمستدامة، بقيادة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي. وضعت الدولة المصرية تطوير البنية التحتية على رأس أولوياتها، إيمانًا بأهمية قطاع النقل كشريان للتنمية ومحور ربط بين مختلف المشروعات القومية. ومن بين أبرز القطاعات التي حظيت باهتمام خاص، قطاع الموانئ البحرية، الذي شهد طفرة غير مسبوقة بفضل رؤية استراتيجية متكاملة تهدف إلى تحويل مصر إلى مركز إقليمي وعالمي للنقل واللوجستيات وتجارة الترانزيت، مستفيدة من موقعها الجغرافي المتميز بين قارات العالم وعلى شواطئ البحرين الأحمر والمتوسط وقناة السويس.
رؤية استراتيجية شاملة لتطوير الموانئ
بدأت وزارة النقل تنفيذ رؤية شاملة تهدف إلى تطوير ورفع كفاءة الموانئ البحرية وتعظيم الاستفادة من إمكانياتها الهائلة. تركز هذه الرؤية على عدة محاور رئيسية، تشمل إنشاء أرصفة جديدة بإجمالي أطوال تصل إلى 100 كم، بهدف زيادة الطاقة الاستيعابية للموانئ إلى 400 مليون طن سنويًا بدلاً من 185 مليون طن، و40 مليون حاوية مكافئة بدلاً من 12 مليون حاوية. بالإضافة إلى ذلك، تتضمن الخطة إنشاء حواجز أمواج بطول 15 كم وتعميق الممرات الملاحية لضمان سلامة الملاحة وتسهيل حركة السفن. هذه المشروعات الضخمة تعكس التزام الدولة بتوفير بنية تحتية متطورة قادرة على استيعاب النمو المتزايد في حجم التجارة العالمية.
مشروعات عملاقة في الموانئ المصرية
تتوزع مشروعات التطوير في الموانئ المصرية على امتداد السواحل المصرية، وتشمل موانئ الإسكندرية، ودمياط، والسخنة، والعريش، وجرجوب، وبرنيس، وشرق بورسعيد، وأبوقير. في ميناء الإسكندرية الكبير، يتم إنشاء محطة "تحيا مصر" متعددة الأغراض على أرصفة 55–62 بطول 2.5 كم ومساحة 560 ألف م²، بطاقة استيعابية 15 مليون طن سنويًا. كما يتم تنفيذ 3 محاور رئيسية لربط الميناء بمحور التعمير، وإنشاء محطة صب جاف نظيف وأخرى متعددة الأغراض برصيف 100، إلى جانب منطقة لوجستية على مساحة 273 فدانا. وفي ميناء دمياط، يجري إنشاء محطة حاويات بطول 2 كم ضمن مشروع "تحيا مصر" الذي يسهم في نقل 3.5 مليون حاوية سنويًا، وإنشاء محطة الحبوب والغلال بأرصفة 850 متر وساحة 270 ألف متر، وتطوير الحواجز الشرقية والغربية للميناء. أما ميناء السخنة، فيشهد تطويرًا شاملاً يشمل إنشاء 18 كم أرصفة و6.3 كم مناطق لوجستية وساحات تداول بمسطح 8.6 مليون م، وإنشاء شبكة سكك حديدية بطول 30 كم وطرق خرسانية بطول 17 كم. ويهدف تطوير ميناء العريش إلى إنشاء أرصفة جديدة بأطوال 2.25 كم وحواجز أمواج لتعظيم طاقته التصديرية خاصة للمنتجات الصناعية من سيناء. ويعد ميناء جرجوب أحد أهم مشروعات التنمية غرب مصر، بإجمالي أطوال أرصفة 14 كم وساحات تداول 7 كم، وقد تم توقيع اتفاقية مشروع الهيدروجين الأخضر بالميناء مع تحالف عالمي. وأخيرًا، يتم في ميناء برنيس وميناء شرق بورسعيد وأبوقير تنفيذ أرصفة جديدة بعمق يصل إلى 22 مترا، تعد الأعلى عالميًا، وتعاقدات مع كبرى الشركات العالمية لتشغيل محطات الحاويات.
تطوير الأسطول البحري المصري
إلى جانب تطوير البنية التحتية للموانئ، تولي الدولة المصرية اهتمامًا كبيرًا بتطوير الأسطول البحري المصري، وذلك ضمن خطة متكاملة حتى عام 2030. تستهدف هذه الخطة امتلاك أسطول بحري وطني يضم 36 سفينة بدلاً من 20، قادر على نقل 25 مليون طن بضائع متنوعة سنويًا. وتشمل هذه الخطة توسعة أسطول شركات الملاحة الوطنية، مثل الجسر العربي، والقاهرة للعبارات، وناقلات البترول، وبناء سفن جديدة في ترسانات عالمية (الصين – بلجيكا) مع رفع العلم المصري عليها. يهدف هذا التطوير إلى تعزيز قدرة مصر على المنافسة في سوق النقل البحري العالمي وتلبية احتياجاتها المتزايدة من السلع والخدمات.
ممرات لوجستية وموانئ جافة لدعم التجارة
استكمالاً لمنظومة تطوير قطاع النقل البحري، قامت وزارة النقل بتنفيذ عدد من الممرات اللوجستية المتكاملة، مثل ممر السخنة–الإسكندرية، والعريش– طابا، وسفاجا–قنا، لربط مناطق الإنتاج بالموانئ البحرية عبر وسائل نقل حديثة وآمنة. كما تم وضع خطة لإنشاء 33 ميناء جافًا ومنطقة لوجستية في مواقع استراتيجية، أبرزها ميناء أكتوبر الجاف، الذي افتتحه الرئيس السيسي في عام 2023، بسعة تخزينية 260 ألف حاوية، وتكلفة 176 مليون دولار، بالإضافة إلى موانئ العاشر من رمضان، بني سويف (كوم أبو راضي)، السادات، برج العرب، قسطل، أرقين، مرسى مطروح، العاصمة الإدارية، وغيرها. تهدف هذه الموانئ الجافة إلى تسهيل حركة البضائع وتخفيف الضغط على الموانئ البحرية، وتقليل التكاليف اللوجستية، وتعزيز التجارة الداخلية والخارجية.
إن الإنجازات العملاقة التي تحققت في قطاع الموانئ البحرية في مصر خلال السنوات الأخيرة، تؤكد أن الدولة المصرية تمضي بثقة نحو تحقيق هدفها في أن تصبح بوابة أفريقيا اللوجستية ومركزًا عالميًا في سلاسل الإمداد والتجارة البحرية. هذه الإنجازات لم تكن لتتحقق لولا الرؤية الطموحة والقيادة الحكيمة لفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، والجهود المخلصة لوزارة النقل وجميع العاملين في هذا القطاع الحيوي. إن مستقبل مصر يبدو واعدًا، مع استمرار العمل الجاد والمثابرة لتحقيق المزيد من التقدم والازدهار.