بعد ضربات «الشبح».. أمريكا وإيران ردًا على إعلان ترامب: لا مفاوضات رسمية الآن
التصعيد المستمر في منطقة الشرق الأوسط، والذي يتسم بـ"ضربات الشبح" غير المعلنة والاتهامات المتبادلة، يضع الولايات المتحدة وإيران في موقف بالغ التعقيد. ففي أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، شهدت المنطقة سلسلة من الأحداث التي فاقمت التوتر بين البلدين، ودفعت احتمالات الحوار المباشر إلى الخلف. ورغم الدعوات المتكررة من أطراف دولية وإقليمية لتهدئة الأوضاع والعودة إلى طاولة المفاوضات، يبدو أن كلا من واشنطن وطهران لا تزالان متمسكتين بمواقفهما، مع التأكيد على عدم وجود أي نية لإجراء مفاوضات رسمية في الوقت الراهن. هذا الرفض المتبادل يضع المنطقة على حافة الهاوية، ويثير مخاوف جدية بشأن مستقبل الأمن والاستقرار الإقليمي.
إن "ضربات الشبح"، التي يُعتقد أنها تستهدف مواقع ومنشآت مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني أو بميليشيات تدعمها إيران في المنطقة، تمثل تصعيدًا خطيرًا في الصراع غير المباشر بين البلدين. هذه الضربات، التي غالبًا ما تنسب إلى إسرائيل بدعم أو علم أمريكي، تهدف إلى تقويض قدرات إيران العسكرية والاقتصادية، وإجبارها على العودة إلى طاولة المفاوضات بشروط أمريكية. ومع ذلك، يبدو أن هذه الاستراتيجية تأتي بنتائج عكسية، حيث تزيد من تصلب الموقف الإيراني، وتدفع طهران إلى اتخاذ خطوات مضادة، مثل زيادة تخصيب اليورانيوم أو تطوير صواريخ باليستية أكثر دقة. هذا التصعيد المتبادل يخلق حلقة مفرغة من العنف والانتقام، ويجعل من الصعب للغاية إيجاد حل سلمي للأزمة.
الموقف الأمريكي، في ظل إدارة الرئيس جو بايدن، يتسم بالغموض والتردد. فمن ناحية، تسعى الإدارة الأمريكية إلى العودة إلى الاتفاق النووي، وترى فيه أفضل وسيلة لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي. ومن ناحية أخرى، تصر واشنطن على أن أي اتفاق جديد يجب أن يكون "أقوى وأطول أمدًا" من الاتفاق السابق، وأن يشمل قضايا أخرى، مثل برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ودعم طهران للميليشيات في المنطقة. هذا الموقف المتشدد يضع عقبات كبيرة أمام إحياء الاتفاق النووي، ويجعل من الصعب على إيران القبول بشروط أمريكية جديدة. بالإضافة إلى ذلك، تواجه إدارة بايدن ضغوطًا داخلية وخارجية كبيرة لمعارضة أي تنازلات لإيران، خاصة من قبل الكونجرس الأمريكي وإسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.
في المقابل، ترفض إيران أي مفاوضات جديدة قبل رفع العقوبات الأمريكية التي فرضت عليها بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي. وتعتبر طهران أن هذه العقوبات غير قانونية وغير عادلة، وأنها تهدف إلى خنق الاقتصاد الإيراني وإضعاف النظام السياسي. وتصر إيران على أن الولايات المتحدة هي التي يجب أن تتخذ الخطوة الأولى، وأن تعود إلى الامتثال الكامل للاتفاق النووي قبل أن تبدأ أي مفاوضات جديدة. هذا الموقف المتصلب يعكس شعورًا عميقًا بالظلم والإهانة لدى القيادة الإيرانية، ويثير مخاوف بشأن قدرة طهران على الوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي. إن استمرار العقوبات الأمريكية يضع إيران في وضع اقتصادي صعب، ويزيد من احتمالات التصعيد العسكري في المنطقة.
في ظل هذه الظروف المعقدة، يبدو أن فرص إجراء مفاوضات رسمية بين الولايات المتحدة وإيران في المستقبل القريب ضئيلة للغاية. فكلا البلدين متمسكان بمواقفهما، ولا يبديان أي استعداد لتقديم تنازلات كبيرة. ومع ذلك، فإن استمرار الوضع الراهن يحمل مخاطر كبيرة على الأمن والاستقرار الإقليمي، وقد يؤدي إلى حرب مدمرة. لذلك، من الضروري أن تبذل الأطراف الدولية والإقليمية المزيد من الجهود لتهدئة الأوضاع، وتشجيع الحوار غير المباشر بين الولايات المتحدة وإيران، وإيجاد حل سلمي للأزمة النووية الإيرانية. إن مستقبل المنطقة يعتمد على قدرة واشنطن وطهران على تجاوز خلافاتهما، والعمل معًا من أجل تحقيق السلام والاستقرار.