أكد ناصر زهير، رئيس قسم الشؤون السياسية والدبلوماسية بالمنظمة الأوروبية للسياسات، خلال مداخلة هاتفية مع برنامج "كلمة أخيرة" الذي تقدمه الإعلامية لميس الحديدي على شاشة ON، أن أسواق النفط استقبلت خبر وقف إطلاق النار الأخير بإيجابية كبيرة. وأوضح زهير أن هذه الإيجابية تعكس حالة الترقب والقلق التي كانت تسيطر على الأسواق العالمية، والتي كانت تخشى تصعيدًا للأزمة قد يصل إلى حد قصف البرنامج النووي الإيراني. وأشار إلى أن إعلان الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، عن وقف إطلاق نار طويل الأمد، أحدث تحولًا ملحوظًا في مزاج المستثمرين، بل وتجاوز التفاؤل فترات ما قبل اندلاع الأزمة نفسها. هذا التحول انعكس بشكل مباشر على أسعار النفط التي بدأت في الانخفاض، على الرغم من أن التوترات كانت تتركز حول مضيق هرمز، وهو ممر مائي حيوي لتجارة النفط العالمية. ولم يقتصر التأثير الإيجابي على سوق النفط فحسب، بل امتد أيضًا إلى أسعار الذهب، التي شهدت تراجعًا ملحوظًا، مما يشير إلى انتقال السيولة من الملاذات الآمنة كالذهب إلى الأسواق الأكثر مخاطرة، وهو ما يعكس ثقة متزايدة في استقرار الأوضاع.

 

تأثير وقف إطلاق النار على أسعار النفط والذهب

 

يُعزى انخفاض أسعار النفط والذهب إلى عدة عوامل، أبرزها حالة الترقب والخوف التي كانت تسيطر على الأسواق قبل إعلان وقف إطلاق النار. كانت المخاوف من تصعيد الصراع، خاصةً مع تهديدات محتملة للمنشآت النووية الإيرانية، تدفع المستثمرين إلى الاحتماء بالملاذات الآمنة كالذهب، مما أدى إلى ارتفاع أسعاره. في المقابل، كانت أسعار النفط متأثرة بالتوترات في مضيق هرمز، والذي يمثل نقطة عبور استراتيجية لكميات كبيرة من النفط. ومع إعلان وقف إطلاق النار، تبددت هذه المخاوف، مما دفع المستثمرين إلى العودة إلى الأسواق الأكثر مخاطرة، وبالتالي انخفاض أسعار الذهب والنفط. وأشار زهير إلى أن هذا التحول ليس مجرد رد فعل من المستثمرين الأفراد، بل يشمل أيضًا صناديق التحوط السيادية، وهي مؤسسات استثمارية ضخمة لا تتحرك إلا عندما تكون هناك ثقة كبيرة في استقرار الأوضاع الاقتصادية والسياسية.

 

سياسة أوبك بلس والسعر العادل للنفط

 

ردًا على سؤال الإعلامية لميس الحديدي حول سرعة تراجع أسعار النفط بعد إعلان وقف إطلاق النار، أوضح زهير أن أسعار النفط شهدت تقلبات حادة في الماضي، خاصةً خلال فترة جائحة كورونا، حيث وصلت إلى مستويات كارثية. ونتيجة لهذه التجربة، توصلت دول منظمة أوبك بلس إلى اتفاق على ضرورة الحفاظ على ما يسمى "السعر العادل" للنفط، حتى في أوقات الأزمات. ويُعرف السعر العادل بأنه النطاق السعري الذي يتراوح بين 65 و 75 دولارًا للبرميل. ومنذ ذلك الحين، لم تشهد أسعار النفط ارتفاعات كبيرة إلا في حالات استثنائية، مثل بداية الحرب الروسية الأوكرانية، التي أدت إلى اضطرابات كبيرة في إمدادات الطاقة العالمية. وأكد زهير أن سياسة أوبك بلس تهدف إلى تحقيق استقرار في أسواق النفط ومنع حدوث تقلبات حادة قد تؤثر سلبًا على الاقتصاد العالمي.

 

تصريحات ترامب ودلالاتها

 

أشار زهير إلى أن تصريحات الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، خلال الأزمة كانت تحمل دلالات مهمة. فعندما قال ترامب "أنا أراقب"، كان ذلك بمثابة إشارة إلى إمكانية اتخاذ إجراءات للسيطرة على أسعار النفط. وأوضح زهير أن هذه العبارة يمكن أن تعني أحد أمرين: إما زيادة الإنتاج المحلي من النفط الأمريكي، أو تخفيف العقوبات على النفط الفنزويلي، وهو ما فعله ترامب بالفعل مع إيران عندما سمح للصين بشراء النفط الإيراني. واعتبر زهير أن هذه التصريحات تندرج في إطار سياسة "العصا والجزرة" التي تتبعها الولايات المتحدة في التعامل مع قضايا الطاقة العالمية. فمن ناحية، تهدد الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الدول المنتجة للنفط، ومن ناحية أخرى، تقدم حوافز وتسهيلات للدول التي تلتزم بسياساتها.

 

فائض الإنتاج النفطي العالمي وتأثيره على الأسعار

 

أكد زهير أن الأهم من ذلك هو أن جميع الدول المنتجة للنفط لديها فائض في الإنتاج يسمح لها بتلبية الطلب العالمي حتى في أوقات الأزمات. وأوضح أن روسيا تمتلك فائضًا يتراوح بين 2 و 3 ملايين برميل يوميًا، بينما تمتلك السعودية فائضًا يتراوح بين 3 و 4 ملايين برميل يوميًا. بالإضافة إلى ذلك، هناك منتجون آخرون مثل ليبيا وغيرها من الدول التي تقع بعيدًا عن مناطق الصراع. وخلص زهير إلى أن مسألة ارتفاع أسعار النفط لن تتكرر مهما كانت الأزمات في المستقبل، وذلك لأن أوبك بلس رسخت سياسة تهدف إلى الحفاظ على السعر في حدود "السعر العادل". وأكد أن هذه السياسة تضمن استقرار أسواق النفط وتحمي الاقتصاد العالمي من الصدمات السعرية المفاجئة.