بعد الضربات الجوية الأمريكية المحتملة على المنشآت النووية الإيرانية، والتي أثارت ردود فعل متباينة بين طهران وتل أبيب، يسعى الخبراء إلى فهم الكيفية التي ستعدل بها الدولتان استراتيجياتهما. فريد زكريا، المذيع في CNN، استضاف ولي نصر، الخبير في الشؤون الإيرانية، وناداف إيال، الكاتب الإسرائيلي، لتحليل الوضع. ولي نصر، الذي يتمتع بمعرفة واسعة بعملية صنع القرار في إيران، يرى أن الرد الإيراني أمر لا مفر منه. ويستند هذا التقييم إلى الاعتقاد بأن عدم الرد سيُفسر على أنه استسلام غير مشروط، وهو ما لا يمكن لأي نظام إيراني أن يتحمله على المدى الطويل. يرى نصر أن القيادة الإيرانية ربما تكون قد درست هذا السيناريو مسبقًا، خاصة بعد الهجمات الإسرائيلية السابقة. السيناريو الأكثر ترجيحًا، بحسب نصر، هو أن إيران سترد لإثبات صمودها وقدرتها على المقاومة، وقد تختار مهاجمة إسرائيل بدلًا من الولايات المتحدة لتجنب تصعيد أوسع. الهدف من هذا الرد، وفقًا لنصر، ليس فقط إرضاء الرأي العام الداخلي، بل أيضًا إعادة إرساء نوع من الردع لمنع المزيد من الهجمات.
استراتيجية الردع الإيرانية واحتمالات المفاوضات
يشير ولي نصر إلى أن إيران لا تعتقد أن المفاوضات الدبلوماسية ستكون حاسمة، نظرًا لعدم وجود ثقة في الرئيس ترامب وإدارته. بدلاً من ذلك، يرى نصر أن إيران ستركز على إثبات صمودها أمام شعبها وإرساء درجة معينة من الردع، ثم الاستعداد لحرب استنزاف أطول مع إسرائيل والولايات المتحدة. هذا يعني أن إيران قد تتبنى استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى إضعاف خصومها من خلال سلسلة من الهجمات المحدودة والعمليات السرية، بدلاً من الانخراط في حرب شاملة. هذه الاستراتيجية تعكس إدراكًا إيرانيًا للقيود المفروضة على قدراتها العسكرية والاقتصادية، ورغبة في تجنب تصعيد قد يؤدي إلى تدخل عسكري أمريكي واسع النطاق. بالإضافة إلى ذلك، قد تسعى إيران إلى استغلال الانقسامات الداخلية في الولايات المتحدة وإسرائيل لتعزيز موقفها التفاوضي وتقليل الضغط الدولي عليها.
الرؤية الإسرائيلية وأهدافها الاستراتيجية
من جانبه، يقدم ناداف إيال رؤية إسرائيلية للوضع، مشيرًا إلى أن إسرائيل لا تعتقد أنها قادرة على تغيير النظام في إيران بمفردها. ومع ذلك، فإنها تسعى إلى تقويض النظام وتوجيه رسالة إلى شخصيات المعارضة الإيرانية وحركات المجتمع المدني بأن إسرائيل تقف إلى جانبهم. إيال يؤكد أن الهدف الإسرائيلي الأساسي هو استهداف البرنامج النووي الإيراني، وليس تغيير النظام، على الرغم من أن بعض المسؤولين الإسرائيليين، بمن فيهم نتنياهو، قد عبروا عن أملهم في حدوث تغيير في النظام. إيال يوضح أن إسرائيل حققت نجاحًا عسكريًا ودبلوماسيًا كبيرًا في هذا الصدد، بفضل الضوء الأخضر الأمريكي للعمليات الإسرائيلية وانضمام الولايات المتحدة إلى الجهود المبذولة لتقويض البرنامج النووي الإيراني. ومع ذلك، فإن إسرائيل تدرك أيضًا أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية تتعرض لتهديدات مستمرة، ولا يمكنها الاعتماد على تغيير النظام في إيران كاستراتيجية طويلة الأمد.
الرسائل الإسرائيلية إلى الشعب الإيراني
يشدد ناداف إيال على أن إسرائيل ترسل رسالة قوية إلى الشعب الإيراني مفادها أن الصراع ليس معهم، بل مع النظام. ويشير إلى العلاقات التاريخية الجيدة بين إسرائيل وإيران في عهد الشاه، حيث كانت هناك علاقات دبلوماسية ممتازة ورحلات جوية مباشرة بين طهران وتل أبيب. هذه الرسالة تهدف إلى كسب تأييد الشعب الإيراني وتقويض شرعية النظام الحالي، من خلال إبراز الفوائد المحتملة لعلاقات طبيعية بين البلدين. إيال يرى أن تحقيق تغيير في النظام في إيران سيكون "جوهرة التاج" بالنسبة لإسرائيل، لكنه يؤكد أن هذا ليس استراتيجية قابلة للتطبيق في الوقت الحالي. بدلاً من ذلك، ستركز إسرائيل على حماية أمنها القومي وتقويض البرنامج النووي الإيراني، مع الاستعداد لاحتمال حدوث تصعيد في الصراع.
سيناريوهات مستقبلية محتملة
في الختام، يمكن القول إن الوضع بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة معقد ومتقلب، ويتضمن مجموعة متنوعة من السيناريوهات المحتملة. إيران قد ترد على الضربات الجوية الأمريكية المحتملة من خلال مهاجمة إسرائيل أو المصالح الأمريكية في المنطقة، بهدف إثبات صمودها وإعادة إرساء الردع. إسرائيل ستواصل جهودها لتقويض البرنامج النووي الإيراني ودعم المعارضة الداخلية، مع الحفاظ على استعدادها للرد على أي هجمات إيرانية. الولايات المتحدة قد تسعى إلى احتواء الصراع ومنع تصعيد أوسع، مع الحفاظ على الضغط على إيران من خلال العقوبات والتهديدات العسكرية. المستقبل سيعتمد على القرارات التي تتخذها القيادات في طهران وتل أبيب وواشنطن، وعلى قدرة هذه الدول على إدارة المخاطر وتجنب الانزلاق إلى حرب شاملة.