النوم، هذه الحالة التي ننقطع فيها مؤقتًا عن وعي العالم من حولنا، هو أكثر من مجرد راحة جسدية. إنه آية من آيات الله الكونية، كما جاء في قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ). هذه الآية الكريمة تدعونا إلى التفكر في هذه النعمة العظيمة، وكيف أن الله سبحانه وتعالى قد جعل الليل سكنًا والنهار معاشًا، ففي الليل نسكن ونهدأ ونستعيد طاقتنا، وفي النهار ننتشر في الأرض لطلب الرزق. فالنوم ليس مجرد حاجة بيولوجية، بل هو نظام إلهي متكامل يهدف إلى حفظ توازن الإنسان الجسدي والنفسي والروحي. فالله تعالى قد بين لنا أهمية الليل والنهار، وأن الليل هو الأصل في النوم والراحة، بينما النهار هو للعمل والسعي. قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا). ففي هذه الآية تشبيه بليغ، فالليل كاللباس الذي يستر الإنسان ويحميه، والنوم كالسبات الذي يقطع الحركة ويمنح الراحة، والنهار كالنشور الذي يعيد الحياة والحركة.

 

وقد وردت العديد من الآيات القرآنية التي تؤكد على أهمية النوم كآية من آيات الله، ومنها قوله تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)، وقوله تعالى: (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً . وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً . وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً). هذه الآيات تدعونا إلى التأمل في عظمة الخالق وقدرته، وكيف أنه قد سخر لنا الليل والنهار لخدمتنا، فالليل للراحة والسكون، والنهار للعمل والسعي. وقد فسر الإمام ابن كثير – رحمه الله - هذه الآيات بقوله: "أي : ومن الآيات ما جعل لكم من صفة النوم في الليل والنهار، فيه تحصل الراحة وسكون الحركة، وذهاب الكلال والتعب، وجعل لكم الانتشار والسعي في الأسباب والأسفار في النهار، وهذا ضد النوم". وهذا التفسير يوضح لنا أن النوم والعمل هما وجهان لعملة واحدة، فكلاهما ضروري لحياة الإنسان.

 

ولقد حث الإسلام على ذكر الله تعالى قبل النوم، وجعل لذلك فضلاً عظيمًا. فمن قال حين يأوي إلى فراشِه : (لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، له الملكُ ، وله الحمدُ ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ ، لاحولَ ولا قوةَ إلا بالله العليِّ العظيمِ ، سبحان اللهِ، والحمدُ لله ، ولا إله إلا اللهُ ، واللهُ أكبرُ)..غُفِرَتْ له ذنوبُه ولو كانت مثلَ زَبَدِ البحرِ. وهذا يدل على عظيم فضل الذكر قبل النوم، وأنه سبب لمغفرة الذنوب. ولا يجب أن تقال الأدعية والآيات عند النوم مرتبة ترتيباً معيناً إلا ما وردت السنة أنه يجعله الشخص آخر كلامه، وأما الأدعية المأثورة عند النوم فكثيرة ومتنوعة، وقد وردت في السنة النبوية الشريفة، وهي تعكس حرص الإسلام على ربط الإنسان بخالقه في جميع أحواله، حتى في لحظات نومه.

 

أدعية وأذكار النوم المأثورة

 

هناك العديد من الأدعية والأذكار التي وردت في السنة النبوية، والتي يُستحب للمسلم أن يقولها قبل النوم. ومن هذه الأدعية: "اللهم باسمك أحيا وأموت"، وهو دعاء كان يقوله النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه. وكذلك، يُستحب أن يُكبر ويُسبح ويُحمد الله ثلاثًا وثلاثين مرة (أو أربعًا وثلاثين في التكبير)، كما أوصى بذلك النبي صلى الله عليه وسلم عليًا وفاطمة رضي الله عنهما. ومن الأدعية الأخرى: "باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه ، إن أمسكت نفسي فارحمها ، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين"، وهذا الدعاء يُقال بعد نفض الفراش ثلاث مرات. كما يُستحب قراءة المعوذات (قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس) والنفث فيهما ومسح الجسد بهما.

 

وقراءة الآيتين من آخر سورة البقرة لها فضل عظيم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأ بهما في كل ليلة كفتاه". وكذلك، يُستحب الوضوء قبل النوم، والاضطجاع على الشق الأيمن، وقول: "اللهم أسلمت نفسي إليك ، وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك ، رغبة ورهبة إليك ، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت ، ونبيك الذي أرسلت". وقراءة آية الكرسي قبل النوم لها فضل عظيم، فهي تحمي الإنسان من الشيطان حتى يصبح. وأخيرًا، يُستحب قول: "اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك" ثلاث مرات، وقول: "اللهم ربّ السماوات وربّ الأرض وربّ العرش العظيم ربنا وربَّ كل شيء ، فالق الحب والنوى ، منزل التوراة والإنجيل والقرآن ، أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته ، أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عنا الدين ، وأغنني من الفقر".

 

بالإضافة إلى الأدعية والأذكار المذكورة، يُستحب قراءة سورة الكافرون قبل النوم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اقرأ (قل يا أيها الكافرون) ، ثم نم على خاتمتها فإنها براءة من الشرك". هذه الأدعية والأذكار تعكس حرص الإسلام على ربط الإنسان بخالقه في جميع أحواله، حتى في لحظات نومه. وهي تمنح الإنسان الطمأنينة والسكينة، وتحميه من الشرور والآفات. فالنوم ليس مجرد راحة جسدية، بل هو فرصة للتقرب إلى الله تعالى، والتفكر في نعمه وآياته. فلنجعل النوم عبادة، ولنحرص على ذكر الله تعالى قبل النوم، لعل الله يغفر لنا ذنوبنا، ويحفظنا من كل سوء.