بقلوب يعتصرها الحزن والأسى، يودع الوسط الفني والجمهور العربي اليوم واحدة من أهم أعمدته، الفنانة القديرة سميحة أيوب، التي رحلت عن عالمنا أمس الأربعاء، بعد مسيرة فنية امتدت لأكثر من سبعين عامًا، أثرت خلالها وجدان الملايين وأعادت صياغة مكانة المسرح في العالم العربي.
مع منع التصوير.. اليوم عزاء سميحة أيوب في مسجد عمر مكرم
تُقام اليوم الخميس مراسم العزاء في مسجد عمر مكرم بوسط القاهرة، حيث تتلقى أسرة الفنانة الراحلة واجب العزاء. وقد ناشدت الأسرة الجميع احترام خصوصية الموقف، مطالبة بعدم التصوير خلال العزاء، في لفتة تعكس رغبتهم في الحفاظ على هيبة الوداع ومكانة الفنانة الراحلة.
سيدة المسرح التي أعلت قيمة الفن
نعت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية الفنانة الراحلة في بيان رسمي، جاء فيه: "ننعي ببالغ الحزن والأسى سيدة المسرح العربي الفنانة القديرة سميحة أيوب، التي رحلت عن عالمنا بعد مسيرة فنية عظيمة أثرت بها وجدان الشعوب العربية وأعلت من شأن الفن والمسرح المصري والعربي. رحم الله الفقيدة، وألهم أهلها ومحبيها الصبر والسلوان."
بداية من شبرا إلى الخشبة
ولدت سميحة أيوب في 8 مارس 1932 بحي شبرا الشعبي العريق في القاهرة، حيث نمت موهبتها الفنية في بيئة تحفها البساطة والدفء وبإصرار وشغف، التحقت بـ المعهد العالي للفنون المسرحية، وتعلمت على يد كبار المخرجين مثل زكي طليمات، الذي كان له الفضل في صقل موهبتها ومنحها الفرصة الأولى.
المسرح.. مملكة الإبداع الأولى
عرفت سميحة أيوب طريقها سريعًا إلى خشبة المسرح، التي شكلت لها مملكة خاصة، وجدت فيها نفسها الحقيقية. كانت البداية الحقيقية مع مسرحية "سكة السلامة" التي تعد واحدة من أبرز محطاتها، كما شاركت في العديد من الأعمال المسرحية الجادة التي جمعت بين العمق الإنساني والرسالة الاجتماعية.
وقد تولت إدارة المسرح القومي لسنوات، حيث ساهمت في تجديده وتحديث خطابه الفني، ودعمت نصوصًا مهمة ودفعت بعدد كبير من المواهب الشابة إلى الواجهة، مما جعلها علامة فارقة في إدارة العمل المسرحي في مصر.
الدراما التلفزيونية.. حضور مميز وإن لم يكن كثيفًا
ورغم أن المسرح كان عشقها الأول، فإن سميحة أيوب لم تغب عن شاشة التلفزيون، فشاركت في العديد من المسلسلات الدرامية التي حققت نجاحًا لافتًا، منها ما رسّخ في أذهان الجمهور بفضل أدائها الرصين والمميز.
فنانة بحجم الزمن وأكبر من الأضواء
تميزت سميحة أيوب بمسيرة فنية خالية من الجدل، فلم تكن يومًا من هواة الظهور أو الترويج لنفسها، بل اعتمدت فقط على الموهبة الحقيقية، والإخلاص للمهنة. وبذلك، فرضت احترامها على جميع الأجيال، من الفنانين والجمهور على حد سواء.
رمز ثقافي وفني متفرد
شكلت سميحة أيوب حالة نادرة من الحضور الفني والإنساني في آنٍ واحد، فهي ليست مجرد فنانة قديرة، بل رمز من رموز الثقافة والفن العربي، امرأة استطاعت أن تثبت وجودها في زمن كان الحضور فيه للموهبة فقط، فاستحقت عن جدارة لقب "سيدة المسرح العربي".
وداع لا يُنسى
برحيل سميحة أيوب، تفقد مصر والعالم العربي إحدى ركائز فنون الأداء، ويودع المسرح عقلًا راجحًا وصوتًا قويًا وتجربة فنية غنية وفريدة من نوعها. وبينما تُغلق اليوم أبواب العزاء، تفتح ذاكرة الفن أبوابها على مصراعيها، لتُخلد أعمالًا لن تُنسى، ومسيرة فنانة لم تكن يومًا عابرة.
رحلت سميحة أيوب جسدًا، لكنها باقية في قلوب الملايين، وفي صفحات تاريخ الفن العربي، صوتًا للمرأة المثقفة، وللفنانة الجادة، وللإنسانة النبيلة. رحمها الله، وألهم محبيها الصبر، وخلد ذكراها في المسرح الذي أحبّته ومنحته أجمل سنوات عمرها.