يوم عرفة هو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، الشهر الأخير في السنة الهجرية، ويأتي قبله شهر ذو القعدة، ويتبعه يوم النحر أول أيام عيد الأضحى، يُعد هذا اليوم من أعظم الأيام عند الله تعالى، إذ يؤدي فيه المسلمون من الحجاج أعظم شعائر الحج، وهو الوقوف بعرفة، كما أنه يوم مليء بالفضل والخير والرحمة والعتق من النار، لمن كان حاجًا أو غير حاج.
الصحابة الكرام كانوا يدركون عظمة هذا اليوم، ويغتنمونه بشتى الطرق للتقرب من الله، كانوا يكثرون من الدعاء والاستغفار والذكر، ويرفعون أيديهم إلى السماء يتضرعون إلى الله يسألونه العفو والمغفرة والعتق من النار، وقد روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة، وإنه لَيدنو، ثم يُباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟ أشهدوا ملائكتي أني قد غفرتُ لهم".
كان الصحابة يقفون بجبل عرفة بخشوع وخضوع، متجردين من كل مظاهر التكبر والغرور، يتبرؤون من حولهم وقوتهم، ويعترفون بذنوبهم ويطلبون المغفرة اجتهدوا في الذكر فكانوا يكثرون من قول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"، و"الحمد لله"، وغيرها من الأذكار التي ترفع درجتهم وتغسل ذنوبهم.
كما كان الدعاء في هذا اليوم من أعظم ما يحرصون عليه، وكانوا يستشعرون قلوبهم وهم يناجون الله، ومن الأدعية المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم عشية عرفة ما رواه ابن عباس: "اللهم إنك تسمع كلامي، وترى مكاني، وتعلم سري وعلانيتي، ولا يخفى عليك شيء من أمري...".
وكان من هدي الصحابة اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في مناسك يوم عرفة، فكانوا يجمعون بين صلاتي الظهر والعصر جمع تقديم في وقت الظهر بعد خطبة الإمام، كما كانوا يحبون أن يغتسلوا قبل الوقوف بعرفة طهارة وتعظيمًا لهذا الموقف الجليل، وكان الإفطار في هذا اليوم مستحبًا للحجاج حتى لا يضعفوا عن الدعاء والوقوف، أما من لم يكن حاجًا فكان يحرص على صيام يوم عرفة طلبًا لمغفرة ذنوب السنة الماضية والقادمة، كما ورد في الحديث النبوي.
وقد ثبت عن عدد من الصحابة صيامهم ليوم عرفة وهم: عائشة رضي الله عنها، والزبير بن العوام، وعثمان بن أبي العاص، وعبد الله بن الزبير. وحرصهم على الصيام كان انعكاسًا لحرصهم على نيل كل أجر ممكن في هذا اليوم المبارك.
الصحابة لم يكونوا يعيشون يوم عرفة كأي يوم آخر، بل كانوا يعاملونه كفرصة عظيمة قد لا تتكرر، يوم تفتح فيه أبواب الرحمة وتغلق فيه أبواب النار وتُجاب فيه الدعوات، ولذلك بذلوا فيه كل جهدهم ليخرجوا منه وقد غُفرت ذنوبهم وقُبلت توبتهم.