في مثل هذا اليوم من عام 1946، وُلد نجم استثنائي من نجوم الفن العربي، حمل معه سحر الأداء وعبقرية التقمص، وبصم مشواره الفني ببصمات لا تُنسى. محمود عبد العزيز، النجم الذي أحبّه الجمهور بصدق، واعتبروه واحدًا من "القلائل" الذين جمعوا بين خفة الظل وعمق الدراما، وبين البساطة والاحتراف، ليتربع على عرش القلوب عن جدارة، ويحمل لقب "الساحر" ليس فقط في الفن، بل في الوجدان أيضًا.
الساحر الذي لا يغيب.. في ذكرى ميلاد محمود عبد العزيز
وُلد محمود عبد العزيز في محافظة الإسكندرية، وتحديدًا في حي الورديان، ونشأ في بيئة شعبية بسيطة، ساهمت في تشكيل وعيه الفني والإنساني. درس في كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية، وهناك لم تكن الزراعة هي هوايته الوحيدة، بل المسرح الجامعي الذي كشف عن موهبته لأول مرة.
ومن تلك الخشبة البسيطة، لفت الأنظار بموهبته ووجهه المعبر، ليبدأ بعدها رحلة طويلة مع الفن امتدت لأكثر من 40 عامًا، قدّم خلالها ما يزيد عن 100 عمل فني، بين السينما والتلفزيون.
السينما.. ملعب الإبداع والتمرد
منذ بداياته في السبعينيات، استطاع الساحر أن يتجنب الوقوع في فخ النمطية، رغم أن ملامحه الوسيمة كانت تؤهله لأدوار "الفتى الأول" التقليدية لكنه رفض الاستسلام، فتمرّد على القوالب الجاهزة، وبحث عن أدوار جديدة تحمل تحديًا.
من أبرز أفلامه: الكيت كات (1991): دور الشيخ حسني، الكفيف الذي يرى ما لا يراه الآخرون، كان أحد أعظم أدواره، واعتُبر نقطة تحول فنية في السينما المصرية.
العار (1982) والكيف (1985): في هذين الفيلمين، ناقش ببراعة قضايا الفساد والإدمان، وترك تأثيرًا ضخمًا في وعي المجتمع.
إعدام ميت، البرئ، جري الوحوش… وغيرها من الأفلام التي جسّد فيها شخصيات معقّدة بمهارة مدهشة.
وما ميز أداؤه السينمائي هو قدرته على المزج بين العمق والمرح، فكان الجمهور يضحك معه في مشهد، ويبكي معه في مشهد آخر… في الفيلم نفسه.
رأفت الهجان.. حين تحوّلت الدراما إلى ملحمة وطنية
أما في الدراما التلفزيونية، فـ"محمود عبد العزيز" كان له تاريخ آخر من المجد. ويبقى دوره الأيقوني في مسلسل "رأفت الهجان" هو الأشهر بلا منازع في هذا العمل الوطني، جسّد شخصية الجاسوس المصري الذي عمل لصالح مصر داخل إسرائيل، بكل براعة وشجاعة.
لم يكن تمثيله مجرد أداء لدور جاسوس، بل كان إعادة تشكيل الوعي الوطني لجيل بأكمله. ورغم أن العمل عُرض في التسعينيات، إلا أن تأثيره لا يزال ممتدًا حتى اليوم.
كما قدّم أعمالًا درامية أخرى مهمة، مثل: "محمود المصري": الذي تناول قصة رجل عصامي صعد من القاع إلى القمة.
"باب الخلق" و"جبل الحلال": حيث قدّم شخصيات تحمل الصراع الداخلي والبعد الإنساني بامتياز.
ممثل لا يتكرر
ما ميز محمود عبد العزيز عن غيره من النجوم هو ذكاء اختياراته. لم يكن يسعى للانتشار فقط، بل كان يبحث دائمًا عن النص المختلف، والدور الذي يقدّم فيه جديدًا.
كان يُجيد استخدام صوته، نظراته، وتعبيرات وجهه بطريقة نادرة. وحتى في لحظات الصمت، كان يُعبّر. لذلك أحبّه الجمهور من كل الطبقات، وارتبطوا بشخصياته، وكأنها جزء من حياتهم اليومية.
الرحيل الجسدي والحضور الأبدي
في 12 نوفمبر 2016، رحل "الساحر" عن عالمنا بعد صراع مع المرض. خبر وفاته صدم الجمهور، وأحدث حالة من الحزن العام، كما لو أن أحد أفراد العائلة رحل.
لكنه رغم الرحيل، لا يزال يعيش بيننا. في كل مشهد مؤثّر، في كل ضحكة صادقة، وفي كل حوار مبدع، هناك روح محمود عبد العزيز.
في ذكرى ميلاده.. ماذا نتعلم من "الساحر"؟
في ذكرى ميلاده، يتجدّد الحديث عن فنان أحبّ مهنته بإخلاص، واحترم جمهوره بعمق محمود عبد العزيز لم يكن يسعى للشهرة بقدر ما كان يسعى للفن، لذلك استحق أن يكون نجمًا خالدًا في سماء الإبداع العربي.