فقدت الساحة الفنية المصرية والعربية اليوم واحدة من أعظم رموزها، برحيل الفنانة القديرة سميحة أيوب، عن عمر ناهز 93 عامًا، بعد مشوار طويل وثرٍ من العطاء الفني والإنساني، أثرت خلاله الحياة المسرحية والدرامية بروحها المبدعة وموهبتها الفريدة.

 

رحيل سميحة أيوب: غياب "سيدة المسرح العربي" بعد مسيرة أسطورية امتدت لأكثر من 70 عامًا

ولدت سميحة أيوب في 8 مارس 1932 بحي شبرا العريق، وهو الحي الذي أنجب العديد من رموز الثقافة والفن في مصر. منذ بداياتها، برزت موهبتها الفطرية وقدرتها على التمثيل، فقررت أن تحترف الفن من بوابته الأوسع: المسرح.

 

التحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وتخرجت منه لتبدأ مشوارها مع خشبة المسرح الذي ظل ملازمًا لها طوال حياتها، حتى لُقبت عن جدارة بـ"سيدة المسرح العربي".

 

مناصب قيادية ومسؤولية ثقافية

لم تكن سميحة أيوب مجرد فنانة تؤدي أدوارًا، بل كانت قيادية وإدارية بارزة في المشهد المسرحي المصري. فقد تولت عدة مناصب مهمة، أبرزها:

 

  • مدير عام المسرح الحديث (1972 – 1975)
  • مدير عام المسرح القومي (1975 – 1988)
  • عضو بلجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة

تميزت إدارتها بالحزم والرؤية، وساهمت في إنتاج أعمال مسرحية عميقة المحتوى ورفيعة المستوى، كما دعمت جيلاً جديدًا من الفنانين، كان لها دور في تأهيلهم وإدماجهم في الحياة الفنية.

 

تكريمات متعددة واعتراف دولي

نالت سميحة أيوب تقديرًا واسعًا على المستويين المحلي والدولي. فإلى جانب محبة الجماهير والنقاد، حصلت على:

 

  • وسام الجمهورية من الرئيس جمال عبد الناصر عام 1966
  • وسام الاستحقاق السوري من الرئيس حافظ الأسد
  • وسام بدرجة فارس من الجمهورية الفرنسية
  • تكريم من تونس وعدة دول عربية
  • إطلاق اسمها على القاعة الرئيسية بالمسرح القومي عام 2015

هذه التكريمات تعكس المكانة التي وصلت إليها، بوصفها فنانة مثقفة، واعية برسالتها، ومدافعة عن القيم الفنية والإنسانية.

 

رصيد ضخم من الأعمال المسرحية والدرامية

عرفت سميحة أيوب أساسًا بكونها رمزًا للمسرح، وقدمت خلال مسيرتها عشرات الأعمال المسرحية التي رسخت في وجدان المشاهد العربي، منها:

 

  • رابعة العدوية
  • سكة السلامة
  • دماء على أستار الكعبة
  • دائرة الطباشير القوقازية
  • السلطان الحائر

كما لم تغب عن الدراما التليفزيونية، فشاركت في مسلسلات أيقونية مثل:

  • الضوء الشارد
  • أوان الورد
  • أميرة في عابدين
  • المصراوية
  • الشارع الجديد

وفي السينما، تركت بصمات قوية في أفلام ذات بعد إنساني واجتماعي، وكانت حريصة على اختيار الأدوار التي تحمل رسالة.

 

العطاء حتى آخر لحظة

ما يميز سميحة أيوب ليس فقط موهبتها الفذة، بل إصرارها على الاستمرار في العطاء الفني حتى بعد بلوغها التسعين. لم تعرف التقاعد، وظلت تؤمن بأن الفنان الحقيقي لا يعتزل، وأن المسرح هو بيتها الأول والأخير.

 

شاركت في مشروعات فنية حتى السنوات الأخيرة من حياتها، وأطلت على جمهورها بحضور يفيض بالحكمة والخبرة، لتؤكد أنها كانت جزءًا من ذاكرة ووجدان هذا الوطن.

 

وداعًا سيدة المسرح.. ستبقين خالدة

برحيل سميحة أيوب، تُطوى صفحة فريدة من صفحات الفن المصري، صفحة كتبت فيها اسمها بحروف من نور في تاريخ المسرح والدراما. لم تكن مجرد فنانة تؤدي أدوارًا، بل كانت قضية فنية قائمة بذاتها، ووجهًا من وجوه الثقافة المصرية الحديثة.

 

سيظل اسم سميحة أيوب حاضرًا في قلوب كل من عشقوا المسرح الجاد، والدراما الهادفة، والفن النظيف. هي من جيل الفن الذي التزم بالمعنى، والرسالة، والهوية.

 

رحم الله الفنانة القديرة، وجعل أعمالها الخالدة شاهدًا على عصر من الفن الحقيقي، الذي عرف كيف يمزج بين الإبداع والاحترام، وبين الجمال والمسؤولية؛ رحلت سميحة أيوب، لكنها ستبقى حاضرة على خشبة ذاكرة الوطن.