تُعد ظاهرة الزلازل واحدة من القوى الطبيعية التي لطالما أثارت اهتمام الإنسان وفضوله، ممزوجًا بالقلق أحيانًا. وفي مصر، الدولة ذات التاريخ الجيولوجي العريق والحضارة الممتدة، لا تُعتبر الأرض ثابتة بالكامل. بين الحين والآخر، تسجل أجهزة الرصد وتُشعر المجتمعات بهزات أرضية متفاوتة القوة والتأثير. لفهم هذه الظاهرة بعمق، يستلزم الأمر استعراض الحقائق الجيولوجية التي تشكل الإطار التكتوني لمصر، وتحديد أبرز المناطق النشطة التي تُعتبر مصادر محتملة للزلازل، والأهم من ذلك، الوقوف على ما يقوله العلم الحديث بشأن إمكانية توقع الهزات الأرضية القادمة والاستعداد لمواجهتها.

حقائق جيولوجية: الإطار التكتوني المؤثر على النشاط الزلزالي في مصر

لفهم أسباب حدوث الزلازل في مصر، يجب النظر إلى موقعها ضمن خريطة حركة الصفائح التكتونية الكبرى. تقع مصر في نقطة التقاء وتفاعل بين ثلاث صفائح رئيسية:

  1. الصفيحة الأفريقية: التي تشكل الجزء الأكبر من الأراضي المصرية والقارة الأفريقية.
  2. الصفيحة الأوراسية: الواقعة إلى الشمال.
  3. الصفيحة العربية: الواقعة إلى الشرق.

هذه الصفائح ليست كيانات جامدة، بل هي في حركة دائمة وبطيئة للغاية، تسبب تفاعلاتها عند مناطق التماس (الحدود الفاصلة) تراكمًا هائلاً للإجهادات داخل طبقات الصخور. عندما تتجاوز هذه الإجهادات قدرة الصخور على الصمود، يحدث انكسار مفاجئ على طول خطوط ضعف تُعرف بالصدوع (Faults). هذا الانكسار يحرر الطاقة المتراكمة بشكل مفاجئ على هيئة موجات زلزالية تنتشر في جميع الاتجاهات، مسببة الاهتزاز الذي نشعر به على سطح الأرض.

أهم الأنظمة التكتونية التي تُشكل مصادر للزلازل المؤثرة على مصر تشمل:

  • نظام صدع البحر الأحمر وخليج السويس: يُعتبر هذا النظام حداً تباعدياً، حيث تبتعد الصفيحة العربية شرقاً عن الصفيحة الأفريقية غرباً. هذا التباعد يؤدي إلى نشوء قشرة محيطية جديدة في البحر الأحمر واتساعه التدريجي، ويصاحبه نشاط زلزالي على امتداد الصدوع الموازية لساحل البحر الأحمر وفي منطقة خليج السويس.
  • نظام صدع خليج العقبة – البحر الميت التحويلي: هذا الصدع يمثل حداً انزلاقياً (Transform Fault) رئيسياً، حيث تتحرك الصفيحة العربية شمالاً بمحاذاة الصفيحة الأفريقية (أو صفيحة سيناء الصغيرة التابعة لها). يُعد هذا النظام مصدراً لزلازل قوية، ويمتد تأثيره ليشمل منطقة خليج العقبة.
  • مناطق الاندساس في شرق البحر الأبيض المتوسط (القوس الهيليني والقبرصي): إلى الشمال من مصر، تغوص الصفيحة الأفريقية تحت الصفيحة الإيجية (جزء من الصفيحة الأوراسية) مكونةً القوس الهيليني (جنوب اليونان وغرب تركيا)، وكذلك القوس القبرصي. هذه المناطق تشهد زلازل قوية يمكن أن يصل تأثيرها إلى السواحل الشمالية لمصر وحتى مناطق أبعد داخل البلاد.

أبرز المناطق النشطة زلزالياً في مصر ومحيطها الإقليمي

بناءً على الحقائق الجيولوجية المذكورة، يمكن تحديد عدة مناطق رئيسية تُعتبر بؤراً للنشاط الزلزالي الذي يؤثر على مصر بدرجات متفاوتة:

  1. منطقة شمال البحر الأحمر، خليج السويس، وخليج العقبة:
    • تُعتبر هذه المنطقة هي الأكثر نشاطاً زلزالياً داخل الحدود المصرية أو بالقرب منها. تتميز بحدوث زلازل تتراوح بين الخفيفة والمتوسطة، مع إمكانية حدوث زلازل قوية أحياناً. من الأمثلة التاريخية الهامة زلزال شدوان (بالقرب من الغردقة) عام 1969 بقوة 6.9 درجة، وزلزال خليج العقبة عام 1995 الذي بلغت قوته 7.2 درجة وكان له تأثير واسع النطاق.
  2. منطقة دهشور (جنوب غرب القاهرة):
    • هذه المنطقة تُظهر نشاطاً زلزالياً يُعرف بالنشاط "داخل الصفيحة" (Intraplate seismicity)، أي بعيداً عن الحدود الرئيسية للصفائح. أشهر زلازل هذه المنطقة هو زلزال القاهرة في 12 أكتوبر 1992، بقوة 5.8 درجة. على الرغم من أن قوته لم تكن كارثية بالمعايير العالمية، إلا أن قربه من التجمعات السكانية الكبيرة في القاهرة والجيزة، وطبيعة بعض المباني، أدى إلى خسائر بشرية ومادية معتبرة، مما جعله نقطة تحول في الوعي الزلزالي في مصر.
  3. منطقة أسوان وبحيرة ناصر:
    • تتميز هذه المنطقة بنشاط زلزالي يُعتقد أن له مصدرين: الأول طبيعي مرتبط بوجود صدوع قديمة في المنطقة، والثاني قد يكون مرتبطاً بما يُعرف بـ "النشاط الزلزالي المُستحث بالخزانات المائية" (Reservoir-Induced Seismicity - RIS). يُعتقد أن التغيرات في ضغط المياه نتيجة ملء وتفريغ بحيرة ناصر الضخمة قد تُسهم في تحفيز حركة بعض الصدوع الصغيرة. زلزال كلابشة عام 1981 بقوة 5.6 درجة هو مثال على النشاط في هذه المنطقة.
  4. منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط (تأثير من الخارج):
    • تُعد الزلازل التي تقع في منطقة القوس الهيليني (حول جزيرة كريت ورودس) والقوس القبرصي وجنوب تركيا من المصادر الهامة للهزات التي يشعر بها سكان مصر، خاصة في المناطق الشمالية (الإسكندرية، الدلتا، القاهرة). هذه الزلازل قد تكون قوية جداً في مركزها، ويصل تأثير موجاتها إلى مصر رغم بعدها مئات الكيلومترات.
  5. مناطق أخرى أقل نشاطاً:
    • توجد مناطق أخرى في الصحراء الغربية والشرقية قد تشهد نشاطاً زلزالياً ضعيفاً ومتفرقاً، لا يشعر به السكان عادةً ويتم تسجيله فقط بواسطة أجهزة الرصد الحساسة.

ما يقوله العلم عن توقع الهزات القادمة في مصر؟

يظل السؤال حول إمكانية توقع الزلزال القادم هو الشغل الشاغل للعامة والعلماء على حد سواء. الحقيقة العلمية الراسخة حتى وقتنا الراهن هي أنه لا يمكن التنبؤ بالزلازل على المدى القصير بشكل دقيق ومحدد (أي تحديد زمان ومكان وقوة الزلزال القادم بدقة قبل وقوعه).

ما يقدمه العلم في هذا المجال هو مجموعة من الأدوات والمنهجيات التي تساعد في فهم المخاطر وتقليلها، وليس التنبؤ الحتمي:

  • الرصد الزلزالي الدقيق والمستمر: من خلال الشبكة القومية للزلازل، التي يديرها المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية (NRIAG) في حلوان، يتم رصد وتسجيل أي نشاط زلزالي على مدار الساعة. هذه البيانات تُستخدم لتحديد مواقع الزلازل الحالية وقوتها، ودراسة خصائص الصدوع النشطة، وتحديث قواعد البيانات الزلزالية.
  • دراسة التاريخ الزلزالي (Historical Seismicity): يقوم العلماء بدراسة السجلات التاريخية والآثار الجيولوجية (Paleoseismology) لتحديد المناطق التي تعرضت لزلازل كبيرة في الماضي. هذه الدراسات تساعد في تقدير معدلات التكرار التقريبية للزلازل الكبيرة على صدوع معينة، ولكن هذا يكون على نطاقات زمنية طويلة جداً (مئات أو آلاف السنين).
  • تقييم المخاطر الزلزالية (Seismic Hazard Assessment): بدلاً من التنبؤ بزلزال معين، يركز العلماء على تقييم المخاطر الزلزالية. يتم ذلك من خلال دراسات احتمالية تُعرف بـ (Probabilistic Seismic Hazard Assessment - PSHA). هذه الدراسات تُقدم تقديرات لاحتمالية حدوث مستوى معين من شدة الاهتزاز الأرضي في منطقة ما خلال فترة زمنية محددة (مثلاً، خلال الـ50 سنة القادمة). تُستخدم نتائج هذه الدراسات في:
    • تطوير وتحديث أكواد البناء المقاومة للزلازل.
    • تخطيط استخدامات الأراضي وتحديد المناطق الأكثر خطورة.
    • وضع خطط الطوارئ والإخلاء.
  • البحث في السلائف الزلزالية (Earthquake Precursors): لا يزال البحث العلمي مستمراً في محاولة لإيجاد أي ظواهر طبيعية قابلة للقياس قد تسبق وقوع الزلازل الكبيرة بشكل منتظم وموثوق (مثل تغيرات في الخواص الفيزيائية للصخور، أو انبعاثات غازات معينة، أو تشوهات دقيقة في سطح الأرض). ومع ذلك، لم يتم حتى الآن تحديد أي "سليفة" زلزالية يمكن الاعتماد عليها بشكل قاطع للتنبؤ العملي.

الاستعداد للمستقبل: من فهم المخاطر إلى تعزيز الأمان

بما أن التنبؤ الدقيق بالزلازل غير ممكن حالياً، فإن الاستراتيجية الأكثر فعالية للتعامل مع الخطر الزلزالي في مصر (وفي أي مكان آخر) تكمن في تقليل قابلية التأثر بالمخاطر (Vulnerability Reduction). ويتم ذلك من خلال:

  1. تطبيق أكواد البناء الحديثة: التأكد من أن المباني الجديدة، وخاصة المنشآت الحيوية مثل المستشفيات والمدارس والجسور ومحطات الطاقة، تُصمم وتُنفذ وفقاً لأحدث أكواد البناء المقاومة للزلازل، مع الأخذ في الاعتبار مستوى الخطورة الزلزالية لكل منطقة.
  2. تدعيم المباني القائمة: تقييم المباني القديمة أو تلك التي لم تُصمم لمقاومة الزلازل، وتدعيمها إذا لزم الأمر واقتصادياً.
  3. التوعية العامة والتعليم: نشر ثقافة السلامة الزلزالية بين المواطنين، وتعليمهم كيفية التصرف السليم قبل وأثناء وبعد وقوع الزلزال (مثل مبدأ "انخفض، تغطَّ، تمسَّك").
  4. تطوير خطط الاستجابة للطوارئ: التأكد من جاهزية فرق الدفاع المدني والإسعاف والمستشفيات للتعامل مع آثار أي زلزال محتمل.
  5. دعم البحث العلمي المستمر: توفير الموارد اللازمة للمؤسسات البحثية لمواصلة دراساتها في مجال الزلازل، وتحديث شبكات الرصد، وتحسين دقة تقييم المخاطر.

التعايش مع طبيعة الأرض النشطة

إن أرض مصر، بجزء من تاريخها الجيولوجي، تحمل في طياتها صدوعاً نشطة قادرة على إحداث الزلازل. فهم الحقائق الجيولوجية التي تحكم هذا النشاط، وتحديد المناطق الأكثر عرضة له، هو الأساس الذي تبنى عليه استراتيجيات الأمان. وبينما يواصل العلم سعيه الدؤوب لكشف المزيد من أسرار الأرض، تبقى الحقيقة الراهنة أن التنبؤ الدقيق بالهزات القادمة أمر بعيد المنال. لذا، فإن التركيز على الاستعداد المبني على المعرفة العلمية، وتطبيق معايير السلامة، ورفع الوعي المجتمعي، هو السبيل الأمثل لضمان مستقبل أكثر أماناً للمجتمع المصري في مواجهة هذه الظاهرة الطبيعية الحتمية.