في خضم مشهد عاصف اجتاح مدينة الإسكندرية، وسط أمطار غزيرة ورياح عاتية أغرقت الشوارع تحت كوبري سيدي بشر، خطت لحظة إنسانية استثنائية أضاءت وسط الظلام أحد رجال الهلال الأحمر المصري، في لقطة تجاوزت كل مشاهد الطقس القاسي، انحنى بهدوء وسط المياه والمطر ليُنقذ حمامة صغيرة كانت عالقة لا تستطيع الطيران.

 

انقاذ طائر.. مشهد إنساني وسط الفوضى وطوارئ لمواجهة "الإعصار المصغر"

اقترب الرجل منها بملامح يغمرها التركيز، ومدّ يده بلطف نحو الطائر المرتجف، في مشهد التقطته عدسات المارة وانتشر سريعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، حاملاً معه رسالة بالغة العمق: الرحمة لا تحتاج إلى منصب أو كاميرا، بل فقط قلب نابض بالإنسانية.

 

عاصفة غير مسبوقة تضرب الإسكندرية

في الساعات الأخيرة، تحوّلت الإسكندرية إلى مدينة منكوبة مؤقتًا، بعدما ضربتها عاصفة وُصفت بأنها الأشد منذ سنوات، حيث تجاوزت سرعة الرياح 80 كيلومترًا في الساعة، وتواصل هطول الأمطار الغزيرة لأكثر من ست ساعات متواصلة، ما أدى إلى غمر الشوارع وتعطيل حركة المرور في مناطق رئيسية مثل محطة الرمل وسيدي جابر وسموحة.

 

وتحوّلت المدينة الساحلية إلى مشهد درامي، مع تراكم المياه في الشوارع وتحول بعض الطرق إلى ما يشبه البرك، ما أجبر كثيرين على البقاء في منازلهم، وأدى إلى توقف حركة النقل العام، إضافة إلى تضرر عدد من المحلات التجارية والسيارات القريبة من الكورنيش بسبب ارتفاع الأمواج.

 

أجهزة الدولة في حالة استنفار

في أعقاب العاصفة، أعلنت محافظة الإسكندرية حالة الطوارئ القصوى. وتم تفعيل غرفة الأزمات بالتنسيق مع وزارة الموارد المائية وشركة الصرف الصحي لمتابعة الموقف والتعامل مع آثار العاصفة. ودُفعت بأكثر من 120 معدة لشفط مياه الأمطار، مع إغلاق بعض الطرق مؤقتًا لتفادي الحوادث وضمان سلامة المواطنين.

 

كما وجّه وزير التنمية المحلية تعليماته برفع درجة الاستعداد في محافظات الدلتا تحسبًا لاحتمال امتداد تأثير العاصفة، فيما تم إرسال معدات إضافية من محافظات مجاورة لدعم جهود الإنقاذ في الإسكندرية.

 

أضرار كبيرة وتوقف خدمات

العاصفة خلفت أضرارًا مادية كبيرة، حيث أعلنت المحافظة عن تضرر ما لا يقل عن عشرة عقارات، كما تسبب سوء الأحوال الجوية في إلغاء فعاليات ثقافية، منها حفل للفنان محمد عدوية. كذلك، قررت مديرية التربية والتعليم تعليق الدراسة في المدارس والمعاهد الأزهرية حفاظًا على سلامة الطلاب والمعلمين.

 

وفي موانئ المدينة، تم إغلاق ميناءي الدخيلة والإسكندرية مؤقتًا بسبب سوء الأحوال الجوية، ما عطّل حركة الملاحة. وقالت هيئة ميناء الإسكندرية إن القرار جاء بعد ارتفاع مستوى الأمواج وصعوبة تأمين السفن.

 

هل كانت عاصفة أم إعصار؟

عدد من خبراء الأرصاد الجوية وصفوا العاصفة التي ضربت الإسكندرية بأنها تشبه "إعصارًا مصغرًا"، نتيجة شدة الرياح وتغيرات الطقس المفاجئة، من انخفاض حاد في درجات الحرارة إلى تكوّن سحب داكنة كثيفة غطت المدينة لعدة ساعات.

 

الهيئة العامة للأرصاد الجوية أكدت في بيان رسمي أن الظاهرة تُعد جزءًا من التغيرات المناخية الحادة التي تشهدها المنطقة مع بداية كل موسم شتوي، حيث تلتقي الكتل الهوائية الباردة القادمة من أوروبا بالتيارات الدافئة القادمة من البحر المتوسط، ما يؤدي إلى ظواهر جوية عنيفة وغير متوقعة.

 

ردود فعل المواطنين ووسائل الإعلام

المشهد الذي عاشته الإسكندرية لم يمر مرور الكرام، إذ عجّت وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بصور وفيديوهات توثّق حجم الكارثة. وعبّر المواطنون عن قلقهم من تكرار سيناريو العام الماضي، حين غرقت المدينة لساعات بسبب فشل شبكات التصريف، مطالبين بمراجعة عاجلة للبنية التحتية وتطويرها بشكل يواكب المتغيرات المناخية الحالية.

 

وكانت أبرز المشاهد المتداولة هي لمناطق بحري والمنشية والعصافرة، حيث غمرت المياه الأحياء المنخفضة، وتكررت شكوى السكان من تسرب المياه إلى منازلهم ومحالهم، ما دفع البعض للمطالبة بتعويضات أو دعم حكومي عاجل.

 

نقطة ضعف البنية التحتية تطفو مجددًا

كشفت العاصفة الأخيرة عن مواطن خلل عميقة في البنية التحتية لمدينة الإسكندرية، خاصة في ما يتعلق بشبكات الصرف ومجاري الأمطار، وهي مشكلة مزمنة يتم التحذير منها سنويًا دون حلول جذرية.

 

وأكد مصدر في وزارة الإسكان أن هناك خطة عاجلة بالتعاون مع هيئة المجتمعات العمرانية لتحسين شبكات الصرف في المناطق القديمة، مشيرًا إلى أن ما حدث يجب أن يكون جرس إنذار حقيقيًا.

 

رغم كل مشاهد الخراب التي خلفتها العاصفة في الإسكندرية، إلا أن صورة رجل الهلال الأحمر وهو ينقذ حمامة صغيرة وسط المياه كانت كافية لتذكير الجميع بأن الإنسانية يمكن أن تزهر في أحلك اللحظات وبين عاصفة مناخية تضرب البنية التحتية، وعاصفة عاطفية تلامس القلوب، تبقى مشاهد الرحمة والتضامن الإنساني هي النور الوحيد في عتمة الكوارث.