تشهد سوق السيارات الكهربائية في الصين موجة غير مسبوقة من المنافسة السعرية بين الشركات المصنعة، ما دفع جمعية مصنعي السيارات الصينية (CAAM) إلى إصدار تحذير شديد اللهجة ضد ما وصفته بـ"حرب أسعار" قد تقوض استقرار الصناعة وتؤثر سلبًا على أرباح الشركات.
حرب أسعار السيارات الكهربائية في الصين: بين التنافس الشرس ومخاوف الانهيار
هذه المنافسة بدأت شرارتها بإعلان شركة BYD عن تخفيضات كبيرة، وسرعان ما لحقت بها شركات أخرى مثل Leapmotor وGeely Auto. وبينما يرى المستهلكون في هذه التخفيضات فرصة ذهبية، يحذر خبراء الصناعة من نتائج كارثية محتملة.
بداية التصعيد: BYD تطلق شرارة الحرب
في 23 مايو 2025، أعلنت شركة BYD، الرائدة في سوق السيارات الكهربائية، عن تخفيضات وصلت إلى 34% على أكثر من عشرين طرازًا من سياراتها، بما في ذلك طراز "سيغال" الذكي.
هذا الطراز، الذي يُعد الأرخص ضمن عروض الشركة، أصبح يعرض بسعر يبدأ من 55,800 يوان (حوالي 7,800 دولار)، بعد أن كان سعره الأساسي 69,800 يوان عند استبدال سيارة أقدم. هذه الخطوة لاقت ترحيبًا من المستهلكين لكنها أثارت قلقًا واسعًا بين صناع القرار في القطاع.
شركات منافسة تدخل ساحة التخفيضات
ردًا على تحركات BYD، سارعت شركات أخرى إلى إطلاق حملات تخفيض مماثلة. أعلنت شركة Leapmotor المدعومة من شركة Stellantis عن تخفيضات على طرازين جديدين، تسري حتى 8 يونيو بدورها، أعلنت شركة Geely Auto في 30 مايو عن خصومات على عشرة طرازات، من بينها طراز X3 Pro بسعر ابتدائي يبلغ 44,900 يوان.
هذا التصاعد السريع في حملات التخفيض أظهر أن الشركات مستعدة للمجازفة بهوامش أرباحها من أجل الحفاظ على حصتها السوقية، وهو ما اعتبرته جمعية مصنعي السيارات مؤشراً خطيراً على بدء موجة من التنافس غير المنضبط.
تحذيرات رسمية ومقارنات اقتصادية مثيرة للقلق
في بيانها الصادر بتاريخ 30 مايو، والذي نُشر على منصة "ويتشات"، حذّرت جمعية CAAM من أن هذه الحرب السعرية قد تؤدي إلى "تفشي التنافس الضار" داخل السوق. وأشارت إلى أن الفوضى الناتجة عن هذه السياسات قد تعود بالضرر على الصناعة والمستهلكين على حد سواء.
التحذير لم يقتصر على الجمعية، فقد أدلى "وي جيانجون"، الرئيس التنفيذي لشركة Great Wall Motor، بتصريح مثير للقلق عبر صحيفة "سينا فاينانس"، قال فيه إن قطاع السيارات يعيش اليوم أزمة شبيهة بأزمة العقارات التي اندلعت في الصين بعد انهيار شركة Evergrande عام 2021 وأضاف: "آمل ألا تذهب كل هذه السنوات من العمل الجاد سدى".
الممارسات الاحتكارية تحت المجهر
ضمن البيان نفسه، دعت الجمعية الشركات الكبرى إلى تجنب الممارسات الاحتكارية، مشددة على أن الخصومات يجب أن تكون قانونية ومعقولة ورفضت الجمعية البيع بأقل من التكلفة أو اللجوء إلى الإعلانات المضللة، مؤكدة أن مثل هذه الأساليب تخلق بيئة غير مستقرة وتضر بمصالح السوق على المدى الطويل.
تصريحات الجمعية وجدت دعمًا من جهات حكومية، حيث نقلت صحيفة "غلوبال تايمز" عن مسؤول في وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات قوله إن حروب الأسعار "عقيمة ولا رابح فيها"، مشيرًا إلى أن هذه الممارسات قد تعوق النمو المستدام للقطاع.
دعم الدولة وسياسات التحفيز على المحك
من المعروف أن الدولة الصينية لعبت دورًا كبيرًا في دعم قطاع السيارات الكهربائية من خلال التمويل المباشر والحوافز الضريبية، بهدف تسريع الانتقال نحو المركبات النظيفة.
إلا أن هذه السياسات باتت تُختبر الآن مع اشتداد المنافسة بين الشركات، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه المساعدات ستستمر أم ستُعاد صياغتها لتشجيع التنافس العادل بدلاً من الدفع نحو حرب أسعار لا تنتهي.
مستقبل ضبابي لسوق السيارات الكهربائية
ما يحدث حاليًا في الصين لا يعكس فقط تحولات في الأسعار، بل يكشف عن أزمة هيكلية أعمق تواجه قطاع السيارات الكهربائية، الذي كان يُعتبر حتى وقت قريب نموذجًا للنمو السريع والابتكار.
وبينما تشكل التخفيضات فرصة للمستهلك، فإن استمرارها قد يؤدي إلى تآكل الأرباح، وخروج شركات صغيرة من السوق، وربما حتى إضعاف القدرة على تطوير تقنيات جديدة.
في ظل الظروف الحالية، يبدو أن سوق السيارات الكهربائية في الصين يسير على حافة التوازن. فبينما يسعى المصنعون إلى الحفاظ على موقعهم في سوق شديد التنافسية، تدق الجهات الرقابية ناقوس الخطر خوفًا من انهيار محتمل بسبب التنافس الضار؛ التحدي الحقيقي اليوم يكمن في إيجاد توازن بين تقديم أسعار تنافسية للمستهلك، وبين الحفاظ على بيئة سوق مستقرة ومزدهرة تدفع بالابتكار والتنمية للأمام.