في واحدة من أكبر الدراسات التي تربط بين فقدان الوزن المعتدل والاستدامة الصحية على مدى عقود، كشف باحثون من جامعة هلسنكي الفنلندية أن تقليل الوزن بنسبة بسيطة لا تتجاوز 6.5% في منتصف العمر، ثم الحفاظ على هذا الانخفاض، يرتبط بانخفاض كبير في خطر الإصابة بالأمراض المزمنة وارتفاع فرص البقاء على قيد الحياة لعقود لاحقة.

 

فقدان 6.5% من الوزن في منتصف العمر قد ينقذ حياتك: دراسة فنلندية تُثبت التأثير طويل الأمد

نُشرت نتائج الدراسة في مجلة JAMA Network Open، وشملت أكثر من 23 ألف مشارك من فنلندا والمملكة المتحدة، في فترة متابعة امتدت بين 12 و35 عامًا وهي تعد من أوائل الدراسات التي تثبت بشكل مباشر التأثير الصحي طويل المدى لفقدان الوزن المستمر بدون تدخل جراحي.

 

منهجية علمية شاملة

اعتمد الباحثون على بيانات ثلاث دراسات رئيسية: دراسة وايتهول الثانية في المملكة المتحدة، ودراسة رجال الأعمال في هلسنكي، ودراسة موظفي القطاع العام في فنلندا وتابعت الدراسات المشاركين من عمر 30 حتى 50 عامًا عند البداية، وتم تحليل التغيرات في مؤشر كتلة الجسم (BMI) على مدى العقود التالية، مع مقارنة هذه التغيرات بمعدلات الإصابة بالأمراض والوفاة.

 

تم تصنيف المشاركين إلى أربع مجموعات

 

  • من حافظوا على وزن صحي طوال الوقت.
  • من فقدوا الوزن وانتقلوا من وزن زائد إلى وزن صحي.
  • من زاد وزنهم بعد أن بدأوا بوزن طبيعي.
  • من بقوا في فئة الوزن الزائد طوال فترة الدراسة.

نتائج فارقة لفئة واحدة

أظهرت النتائج أن أكبر فائدة صحية تحققت لدى الأفراد الذين بدأوا منتصف العمر بوزن زائد، ثم تمكنوا من تقليل وزنهم إلى نطاق مؤشر كتلة جسم دون 25، وحافظوا على هذا الإنجاز. في هذه المجموعة: انخفض خطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل أمراض القلب، السكتات الدماغية، السرطان، وأمراض الجهاز التنفسي بنسبة 48%؛ تراجع خطر الوفاة على مدى 35 عامًا بنسبة 19%.

 

اللافت أن هذه النتائج بقيت ثابتة حتى بعد استبعاد المصابين بالسكري من التحليل، ما يشير إلى أن الفوائد الصحية تتجاوز مجرد الوقاية من مرض السكري، وتشمل تحسينات شاملة في الصحة العامة.

 

فوائد ملموسة بجهد بسيط

البروفيسور تيمو ستراندبرغ، الباحث الرئيسي في الدراسة، أوضح أن "العديد من النقاشات دارت في السابق حول أهمية إدارة الوزن، لكن إثبات تأثير ذلك على المدى الطويل كان دائمًا تحديًا صعبًا" وأكد أن هذه الدراسة تُعد من أقوى الأدلة العلمية على أن فقدان وزن معتدل، إذا تم الحفاظ عليه، يمكن أن يؤدي إلى تحسين ملموس في الصحة وزيادة في متوسط العمر.

 

وأضاف أن المشاركين لم يعتمدوا على تدخلات طبية أو جراحية لفقدان الوزن، بل حققوا ذلك عبر تغييرات سلوكية بسيطة مثل تحسين النظام الغذائي وزيادة النشاط البدني وهذا ما يعزز أهمية الوقاية والتدخل المبكر كنموذج فعال للصحة العامة.

 

أبعاد عالمية للدراسة

في ظل التزايد المتسارع لمعدلات السمنة حول العالم، تأتي هذه الدراسة في توقيت بالغ الأهمية فالسمنة اليوم تُعد من أبرز التحديات الصحية التي تواجه النظم الصحية عالميًا، ليس فقط لما تسببه من أمراض، بل لما تفرضه من عبء اقتصادي ضخم.

 

وبحسب الباحثين، فإن الرسالة الأساسية التي تحملها نتائج الدراسة هي أن التحكم في الوزن لا يحتاج إلى تدخلات جذرية، بل إلى استراتيجيات بسيطة ومستدامة تبدأ في منتصف العمر، عندما يكون الشخص في أوج نشاطه الوظيفي والأسري.

 

تحليل دقيق وعوامل متعددة

أخذت الدراسة بعين الاعتبار مجموعة من العوامل المؤثرة مثل التدخين، ومستوى النشاط البدني، ومستويات الكوليسترول وضغط الدم، وذلك للتأكد من أن تأثير فقدان الوزن لم يكن نتيجة عوامل مصاحبة وقد أكدت التحليلات أن العلاقة بين فقدان الوزن وتحسن الصحة ظلت قوية حتى بعد التحكم في هذه العوامل.

 

وفي دراسة رجال الأعمال في هلسنكي، والتي امتدت لأكثر من 43 عامًا، ظهر أن فقدان الوزن المعتدل ارتبط بانخفاض في معدلات الوفاة، ما يعزز التأكيد على فاعلية هذا النهج حتى على المدى الزمني البعيد.

 

دعوة للتخطيط المبكر

تشير نتائج الدراسة إلى أن استراتيجيات إدارة الوزن ينبغي أن تبدأ مبكرًا، لا عند ظهور المشاكل الصحية فقد ثبت أن الأثر الوقائي لفقدان الوزن في منتصف العمر أقوى من محاولات العلاج بعد تفاقم الحالة.

 

ووفقًا للبروفيسور ستراندبرغ، فإن هناك حاجة ملحّة لأن تعتمد السياسات الصحية على الوقاية من خلال تشجيع العادات السليمة، وتوفير بيئات داعمة للسلوك الصحي، وليس فقط التركيز على العلاجات عند المرض.

 

 تغييرات صغيرة لصحة طويلة الأمد

في ظل انتشار أنماط الحياة غير الصحية وزيادة الاعتماد على الوجبات السريعة وقلة الحركة، تقدم هذه الدراسة دليلاً واضحًا على أن تغييرات صغيرة ومستدامة يمكن أن تُحدث فرقًا كبيرًا في جودة الحياة وطولها فقدان 6.5% من الوزن في منتصف العمر ليس هدفًا بعيد المنال، بل ممكن التحقيق دون تدخلات معقدة.