شهد النادي الإفريقي التونسي خلال الأيام القليلة الماضية تطورات متسارعة وغير مسبوقة على المستوى الإداري، وذلك في أعقاب موسم رياضي كارثي انتهى بخروج الفريق خالي الوفاض من كافة المسابقات، وتفاقمت الأزمة باستقالة جماعية لمجلس الإدارة بقيادة هيكل دخيل، مما فتح الباب أمام أزمة شرعية بين الإدارة المؤقتة والمستثمر الأمريكي الجديد، فيرجي شامبيرز.

 

أزمة في النادي الإفريقي التونسي: بين استقالة الإدارة وتدخل الحكماء وصراع الشرعية

رغم الآمال الكبيرة التي علّقها أنصار النادي الإفريقي بداية الموسم الرياضي الجاري، خصوصاً بعد دخول المستثمر الأمريكي فيرجي شامبيرز على خط تمويل النادي وسداده لكافة ديونه، إلا أن النتائج على أرضية الميدان لم تكن في مستوى التطلعات فقد فشل الفريق تحت قيادة المدرب الفرنسي دافيد بيتوني في تحقيق أي إنجاز يذكر، بل إنه لم يتمكن حتى من ضمان مركز مؤهل للمسابقات القارية، وهو ما اعتبر انتكاسة كبرى في ظل الموارد المالية التي أصبحت متوفرة للفريق.

 

هذا الأداء المخيب دفع بمجلس إدارة النادي، بقيادة هيكل دخيل، إلى تقديم استقالة جماعية، في خطوة كان من المفترض أن تمهد لمرحلة انتقالية أكثر استقراراً، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى أزمة حادة تتعلق بالشرعية وإدارة القرار داخل أروقة الفريق.

 

صعود فيرجي شامبيرز إلى واجهة التسيير

في خضم هذه الأزمة، أعلن رجل الأعمال الأمريكي فيرجي شامبيرز، الذي ارتبط اسمه بالنادي منذ بداية الموسم كممول رئيسي، عن تسلمه مهام التسيير الإداري للفريق بشكل كامل.

 

وأصدر بياناً رسمياً عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي أكد فيه أن كل القرارات الصادرة عن مجلس الإدارة المستقيل، وعلى رأسه هيكل دخيل، أصبحت لاغية ولا تلزم النادي بأي شكل من الأشكال.

 

وقد اعتُبرت هذه الخطوة بمثابة إعلان ضمني عن تولي شامبيرز قيادة النادي فعلياً، خاصة في ظل غياب مجلس إدارة فعّال، وفي وقت تعاني فيه الجمعية من فراغ إداري حاد.

 

تدخل لجنة الحكماء: استعادة القرار

في ظل احتدام الأزمة، تدخلت لجنة "الحكماء" بالنادي الإفريقي، وهي هيئة استشارية تتكون من رؤساء النادي السابقين، وتضطلع بدور حاسم في حال وجود أزمات إدارية أو مالية، وقررت عقد اجتماع طارئ مساء الخميس.

 

وفي بيان رسمي نشر عبر الحساب الرسمي للنادي، أعلنت اللجنة عن "عزل" فيرجي شامبيرز من أي مهام إدارية داخل النادي، وأكدت على أن قرار تسلمه مهام التسيير لا يحمل أي شرعية قانونية.

 

وأوضحت اللجنة أن المرحلة الحالية تستوجب العودة إلى المؤسسات الرسمية داخل النادي، مشيرة إلى أن مجلس الإدارة المؤقت المستقيل سيواصل تسيير شؤون النادي إلى حين عقد جلسة عامة انتخابية تقرر تنظيمها يوم 21 يونيو الجاري.

 

كما طالبت اللجنة مجلس الإدارة المستقيل بتقديم تقارير مالية مفصلة إلى اللجنة الانتخابية المستقلة في موعد أقصاه السابع من يونيو، مما يعكس الرغبة في قطع الطريق أمام أي محاولات لتسيير النادي خارج الأطر القانونية.

 

صراع النفوذ: أبعاد وخلفيات

البيان الصادرعن لجنة الحكماء جاء بمثابة ضربة قوية لفيرجي شامبيرز، خاصة أنه جاء قبل يوم واحد من خوض النادي الإفريقي لنهائي كأس تونس لكرة السلة أمام الاتحاد المنستيري.

 

ورغم إعلانه عن تقديم منح مجزية للاعبي الفريق ومواصلته تسديد مستحقات بعض لاعبي كرة القدم، فإن العلاقة بينه وبين الأطراف التقليدية في النادي، وعلى رأسها لجنة الحكماء، وصلت إلى طريق مسدود.

 

ومن المنتظر أن يرد شامبيرز على هذا التطور ببيان رسمي خلال الساعات المقبلة، خاصة وأنه بات يعتبر نفسه الطرف الأكثر تأثيراً داخل النادي من الناحية المالية، فيما تحاول الأطراف التونسية الحافظة للتقاليد الإدارية للنادي الإمساك بزمام القرار وتفادي خلق سابقة في منح السيطرة التامة لممول خارجي دون غطاء قانوني واضح.

 

مرحلة انتقالية دقيقة

الوضع الحالي داخل النادي الإفريقي ينذر بمزيد من التصعيد في حال عدم التوصل إلى توافق داخلي ينهي الجدل القائم حول من يملك حق إدارة النادي فعلياً.

 

فبين إدارة مستقيلة، ومستثمر يمسك بالمفاتيح المالية، ولجنة حكماء تسعى للحفاظ على التقاليد القانونية، تبدو الساحة مفتوحة أمام سيناريوهات متضاربة قد تؤثر سلباً على الاستقرار العام للفريق خلال الأشهر القادمة.

 

وفي انتظار انعقاد الجلسة العامة الانتخابية يوم 21 يونيو، يبدو أن النادي الإفريقي أمام مرحلة دقيقة تتطلب أكبر قدر من الحكمة والتنسيق بين مختلف الأطراف المعنية، لتفادي دخول الفريق في نفق مظلم قد يمتد لسنوات.

 

دعوة للحكمة والتعقل

دعت لجنة الحكماء في ختام بيانها جميع مكونات النادي، من مسؤولين حاليين وسابقين، وداعمين ومستشهرين، إلى التحلي بروح المسؤولية وتغليب مصلحة النادي على الحسابات الشخصية والمالية كما شددت على ضرورة الحفاظ على استدامة واستقرار وتأثير النادي الإفريقي، بوصفه أحد أعرق الأندية في تونس والمنطقة.

 

يبقى مستقبل النادي الإفريقي رهين مخرجات الجلسة الانتخابية المقبلة، ومدى قدرة الأطراف المختلفة على تجاوز الخلافات الشخصية وتغليب المصلحة العامة، في وقت ينتظر فيه آلاف الأنصار عودة ناديهم إلى السكة الصحيحة، رياضياً وإدارياً.