في مشهد هادئ تنسج فيه الطبيعة خيوطها من الجمال والسكينة، تقع مزرعة صغيرة في بلدة "كارابورون" الساحلية التابعة لولاية إزمير غرب تركيا، غير أنها ليست مزرعة عسل تقليدية كما قد يتبادر إلى الذهن، بل مركز فريد لعلاج بديل بات يجذب الزوار من داخل وخارج البلاد هنا، في هذا المكان النائي قرب بحر إيجه، لا يبحث الناس فقط عن العسل، بل عن الهواء الذي يتنفسه النحل، في رحلة غير مألوفة نحو الشفاء.
العلاج بهواء خلايا النحل.. تجربة شفاء فريدة في أحضان الطبيعة التركية
النحال حسين جيلان مؤسس المزرعة، ينتمي إلى عائلة امتهنت تربية النحل منذ أجيال. لكن شغفه بالمجال لم يتوقف عند إنتاج العسل، بل دفعه للبحث والدراسة، حتى تخرج في كلية الزراعة، وقرر منذ أكثر من ثلاثين عامًا تأسيس مزرعته الخاصة التي تجمع بين الإنتاج والتجريب العلاجي.
وقد تبنى فيها ما يعرف بـ"العلاج بالنحل" أو "Apitherapy"، وهو فرع من الطب البديل يعتمد على منتجات النحل ومنها العسل، سمّ النحل، البروبوليس، وحتى الهواء المنبعث من خلايا النحل.
في حديثه لوكالة "رويترز"، يشرح جيلان هذا النوع من العلاج قائلاً: "نحن لا نرفض الطب الحديث، بل نؤمن بأن الطب البديل يمكن أن يكون مكملاً فعالاً له ما نقوم به هنا هو استنشاق الهواء الداخل والخارج من خلايا النحل عبر أجهزة تنفس خاصة، وهواء الخلية غني بمركبات عضوية طبيعية يُعتقد أن لها فوائد مناعية وتنفسية مهمة".
غرف خشبية وسط الطبيعة... ومقصورات علاجية فريدة
في فصل الربيع، حين تبدأ خلايا النحل في نشاطها الكامل، يبدأ الزوّار في التوافد على المزرعة يقيمون في غرف خشبية بسيطة، بعيدة عن ضجيج المدن، محاطة بأشجار الزيتون والتين غير أن أكثر ما يميز هذه الإقامة هو التجربة العلاجية اليومية التي يخوضها الزائر.
داخل المزرعة، جهز جيلان مقصورات خشبية مخصصة للعلاج، تحتوي على أجهزة تنفس صناعي موصولة مباشرة بخلايا النحل ويجلس المرضى داخل هذه المقصورات لمدة 45 دقيقة يوميًا، يستنشقون الهواء الخارج من الخلية وهو مزيج من بخار العسل، وشمع النحل، وحبوب اللقاح، ومواد عضوية طيارة مثل الفينولات والزيوت العطرية.
الأمر لا يقتصر على الجلوس في مقصورة واحدة، بل يطلب من المرضى تبديل أماكنهم كل 15 دقيقة لتجربة روائح مختلفة من خلايا متنوعة، حيث يعتقد أن اختلاف حبوب اللقاح المستخدمة من قِبل النحل يمنح كل خلية خواص علاجية فريدة.
بين الطب والاعتقاد... فعالية تثير الجدل
رغم أن "العلاج بهواء النحل" لا يحظى باعتراف رسمي من الجهات الصحية التركية، فإن التجربة تلقى رواجًا متزايدًا داخل البلاد، بل وتتجاوزها إلى دول أخرى مثل ألمانيا وروسيا، حيث توجد مراكز مشابهة ويقبل عليها المرضى الباحثون عن بدائل للعلاج الكيميائي أو التقليدي.
جيلان يشير إلى أن عشرات المرضى زاروا مزرعته، وكان من بينهم سيدة تدعى "أولكو أوزمن"، تبلغ من العمر 69 عامًا، خاضت تجربة العلاج بعد أن خضعت لعدة عمليات جراحية وأرهقتها الأدوية المثبطة للمناعة.
تقول أولكو: "خلال أسبوع من الجلسات اليومية، شعرت بتحسن في التنفس وهدوء في النوم، وكان شعور الهواء النقي الممزوج برائحة النحل منعشًا ومختلفًا عن أي تجربة مررت بها سابقًا".
تكلفة التجربة... واستثمار في الراحة والشفاء
بقدر خصوصية التجربة، تأتي كلفتها أيضًا غير اعتيادية إذ يبلغ سعر اليوم الواحد في المزرعة متضمنًا جلسة العلاج، والإقامة، والطعام حوالي 5000 ليرة تركية، ما يعادل قرابة 128 دولارًا.
ورغم أنها تكلفة تبدو مرتفعة، إلا أن الكثير من الزوار يعتبرونها مقبولة مقارنة بتجربة فريدة لا تتكرر بسهولة، ووسط بيئة طبيعية توفر لهم راحة جسدية ونفسية معًا.
جيلان لا يكتفي بتقديم العلاج في مزرعته، بل يسعى منذ سنوات لتقنين هذا النوع من الطب البديل داخل تركيا يقول: "قدمت العديد من الأبحاث والدراسات للمسؤولين، وأطمح إلى أن يكون هناك اعتراف رسمي وتنظيم للمهنة، حتى يتمكن الناس من الوصول إليها بطريقة علمية وآمنة".