في خطوة تحمل دلالات سياسية كبيرة، أعلنت الإدارة الأمريكية رفع اسم الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع ووزير الداخلية في الحكومة السورية المؤقتة أنس خطاب من قوائم العقوبات، كجزء من مسار سياسي جديد تجاه سوريا ويمثل هذا القرار تحولًا ملحوظًا في الموقف الأمريكي، الذي كان يتسم خلال السنوات الماضية بتشديد العقوبات ضد النظام السابق بقيادة بشار الأسد.

 

وأصدر وزير الخارجية الأمريكي قرارًا بمنح إعفاء مؤقت لمدة 180 يومًا من العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر، وهو القانون الذي تم اعتماده عام 2019 ويعد الأداة الأشد تأثيرًا ضد النظام السوري ومؤيديه القرار الجديد يأتي بعد إعلان مباشر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي وصفه بأنه "خطوة أولى نحو علاقة جديدة مع دمشق".

 

منذ اندلاع الصراع في سوريا عام 2011، تبنّت الولايات المتحدة موقفًا حادًا من النظام، ركز على دعم المعارضة وعزل القيادة السياسية والعسكرية من خلال حزم متتالية من العقوبات إلا أن تعيين حكومة مؤقتة بقيادة أحمد الشرع، وتقديم هذه الحكومة نفسها كممثل انتقالي، يبدو أنه فتح بابًا لتغيير جذري في السياسة الأمريكية تجاه الملف السوري.

 

وقالت وزارة الخزانة الأمريكية في بيان لها إن "الترخيص العام رقم 25" الصادر عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية OFAC يسمح بتخفيف فوري لبعض القيود على التعاملات الاقتصادية والمالية مع كيانات سورية محددة، أبرزها الحكومة المؤقتة الحالية.

 

وعلق السيناتور الأمريكي ماركو روبيو على الخطوة قائلاً: "ندعم جهود الشعب السوري لبناء مستقبل أكثر إشراقًا رفع العقوبات عن الحكومة الجديدة لا يعني التساهل، بل هو تشجيع على مسار سياسي مختلف يقوده السوريون بأنفسهم".

 

وأضاف: "الولايات المتحدة ستراقب تطورات الأوضاع السياسية والاقتصادية في سوريا، وستستجيب بشكل مناسب لأي خروقات أو تجاوزات، ولكن من المهم منح فرصة حقيقية لحكومة جديدة تولت المسؤولية بعد سنوات من الصراع".

 

من شأن رفع العقوبات أن يمنح الحكومة المؤقتة متنفسًا اقتصاديًا لإعادة ترتيب أولوياتها، وفتح قنوات تواصل مع المجتمع الدولي من أجل بدء إعادة الإعمار وجذب استثمارات. كما أنه قد ينعكس إيجابًا على الوضع الإنساني، خاصة في ظل ما يعانيه السوريون من انهيار اقتصادي، وتراجع كبير في الخدمات العامة داخل مناطق مختلفة من البلاد.

 

المحلل السياسي جوناثان وايت من معهد واشنطن قال في تعليق لـ"رويترز": "ربما تسعى واشنطن إلى اختبار نوايا الحكومة الجديدة، لا سيما وأنها لم تأت عبر ضغط عسكري أو دعم خارجي مباشر، بل نتيجة توازنات داخلية وتراجع نفوذ الأسد في مناطق متعددة".

 

رغم أن الولايات المتحدة لم تُعلن حتى الآن اعترافًا رسميًا بالحكومة السورية المؤقتة كـ"ممثل شرعي وحيد"، إلا أن هذه الخطوة قد تُفسَّر بأنها مقدمة لاعتراف سياسي ودبلوماسي لاحق، لا سيما إذا تبعتها خطوات مماثلة من الاتحاد الأوروبي ودول عربية مؤثرة في الملف السوري مثل مصر والسعودية.

 

وكانت والدة أحمد الشرع قد ظهرت في تصريحات سابقة تطالب المجتمع الدولي بـ"التمييز بين النظام السابق والشعب السوري"، مشيرة إلى أن أي فرصة للاستقرار يجب أن تبدأ بدعم مؤسسات مدنية جديدة لا تتحكم فيها أجهزة الأمن القديمة.

 

رغم هذه الخطوة التاريخية، إلا أن التحديات أمام الحكومة الجديدة لا تزال هائلة فإعادة الإعمار تتطلب مليارات الدولارات، والواقع السياسي والأمني هش، إلى جانب مخاوف متصاعدة من عودة التنظيمات المتشددة إلى مناطق الفراغ الأمني.

 

كما أن رفض روسيا وإيران لهذا التحول الأمريكي قد يعقّد المشهد، خاصة أن لهما نفوذًا واسعًا في الداخل السوري، ويعتبران بقاء الأسد ضروريًا للحفاظ على مصالحهما الاستراتيجية في المنطقة.