في مشهد حزين مفعم بالخشوع والرمزية، أعلن الفاتيكان أن أكثر من 19,400 شخص ألقوا نظرة الوداع على جثمان إحدى الشخصيات الكنسية الرفيعة، الذي نقل صباح الأربعاء إلى كاتدرائية القديس بطرس في قلب الفاتيكان، إيذانًا بانطلاق طقوس الوداع الرسمية.
وتواصل الحشود تدفّقها على الكاتدرائية منذ الساعات الأولى، حيث وقفت طوابير طويلة من المؤمنين والسياح والدبلوماسيين ورجال الدين، وسط أجواء يخيّم عليها الصمت والتأمل.
وبسبب الأعداد الكبيرة غير المتوقعة، أعلن المكتب الإعلامي للكرسي الرسولي أن الفاتيكان يدرس تمديد فترة استقبال الزوار حتى ما بعد منتصف الليل (22:00 بتوقيت غرينتش)، لتلبية رغبة من لم يتمكن من الدخول في ساعات النهار، مشيرًا إلى أن التنظيم الأمني والتنسيقي يسير بسلاسة تامة حتى الآن.
وتعمل الشرطة الإيطالية والحرس السويسري والجهات التنظيمية داخل الكاتدرائية على ضمان دخول آمن ومنظم للزوار، مع توفير مسارات مخصصة لحالات الطوارئ وكبار السن.
في بيان رسمي صدر عن الكرسي الرسولي، أعلن الفاتيكان حدادًا رسميًا لمدة 9 أيام، اعتبارًا من يوم السبت المقبل، وهو اليوم المحدد لإقامة الجنازة الرسمية.
وخلال هذه الفترة، ستُقام طقوس وصلوات يومية في كاتدرائية القديس بطرس، يُشارك فيها عدد من كرادلة وأعضاء المجمع المقدس، إلى جانب عدد من رؤساء الكنائس المحلية من دول العالم.
من المقرر أن تقام الجنازة الرسمية السبت المقبل، وسط توقعات بحضور شخصيات دينية وسياسية من أكثر من 40 دولة، من بينها رؤساء دول، وملوك، وممثلون عن الطوائف المسيحية الأخرى.
ويُرتقب أن يُلقي البابا فرنسيس كلمة تأبينية، يُشيد فيها بمسيرة الفقيد، مؤكدًا القيم التي نادى بها خلال خدمته الطويلة داخل المؤسسة الكنسية.
كما سينقل الجثمان في موكب جنائزي مهيب بعد انتهاء القداس الجنائزي، ضمن التقاليد المعتمدة في وداع كبار الشخصيات في تاريخ الفاتيكان.
تعد هذه المراسم جزءًا من تقليد كنسي عمره قرون، حيث يُخصص للبابوات أو كبار الشخصيات الروحية "نوفنداليه"، وهي تسعة أيام من الصلوات والاحتفال بالقداس على نية الرحيل والتأمل في الإرث الذي تركه الفقيد.
ويأتي الحداد تزامنًا مع عيد السيادة الوطنية ويوم الطفل في تركيا، حيث وجه البابا فرنسيس تحية تضامن مع الدول التي تعيش ظروفًا صعبة، مؤكدًا أن "هذه المناسبة تأتي في لحظة دقيقة تذكرنا جميعًا بحاجتنا للسلام والاتحاد".
الراحل، الذي لم يكشف اسمه رسميًا في البيان الإعلامي الأول، يُعتقد أنه شخصية ذات وزن لاهوتي وإداري كبير داخل الكنيسة الكاثوليكية، حيث شغل مناصب عليا في الفاتيكان لعقود، وكان له دور بارز في عدد من المجامع المسكونية والحوارات بين الأديان.
ويحظى بدعم واحترام كبيرين بين المؤمنين حول العالم، خصوصًا لما عُرف عنه من اعتدال وتواضع ودفاع عن القضايا الإنسانية.
الفاتيكان اليوم ليس فقط مقرًا دينيًا، بل بؤرة مشاعر إنسانية جامعة، تُعبّر عن تأثير الروح الكنسية في العالم. وفي وداع هذه الشخصية، تُطوى صفحة من صفحات التاريخ الكنسي، لكن الذكرى تبقى حيّة في قلوب من شهدوا حياته، ومن شاركوه الطريق في خدمة الإيمان والإنسان.