أعلنت وزارة الخارجية البريطانية، الثلاثاء 20 مايو 2025، تعليق المفاوضات المتعلقة باتفاقية التجارة الحرة المرتقبة مع إسرائيل، احتجاجاً على تصعيد العمليات العسكرية في قطاع غزة، وأكدت لندن أن هذا القرار يأتي في ضوء “الانتهاكات المتكررة لوقف إطلاق النار” والقلق من التبعات الإنسانية، مع توجيه رسالة واضحة إلى حكومة بنيامين نتنياهو بضرورة احترام القانون الدولي وحماية المدنيين.
أوضح بيان وزارة الخارجية أنّ تعليق المفاوضات لن يكون حكماً نهائياً، بل إجراء مؤقت ريثما تُظهر إسرائيل حياداً والتزاماً بوقف إطلاق النار، لافتاً إلى أنّ المرحلة المقبلة ستشهد مراقبة دقيقة لسلوك القوات الإسرائيلية في غزة والتدقيق في التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان حول أعداد الضحايا المدنيين وتدمير الممتلكات، مشدداً على أنّ استئناف المباحثات سيُحكَّم على أساس “تقدّم ملموس في حماية السكان المدنيين” ومحاسبة المسؤولين عن أي تجاوزات.
سرعان ما ردت الناطقة باسم الحكومة الإسرائيلية على القرار البريطاني بوصفه “غير مبرر” و”تدخل في شؤوننا الداخلية”، مؤكدةً أن العمليات العسكرية تستهدف مواقع استراتيجية تابعة لحركة حماس التي تصدرت قائمة الإرهاب العالمي، وأن الهدف الأساسي هو “تحييد التهديد الإرهابي وضمان أمن سكان جنوب إسرائيل”، فيما شهدت صفوف الائتلاف الحاكم انقسامات حول تكتيك التعاطي مع الدبلوماسية الغربية، مع بروز أصوات مطالبة بتخفيف تحركات الجيش تجنباً لمزيد من العزلة الدولية.
يتوقع دبلوماسيون مطلعون أن تتبنى عدة عواصم أوروبية قرار بريطانيا، لا سيما فرنسا وألمانيا اللتان تبديان تحفظات متزايدة إزاء “التصعيد المفرط” في غزة، مما يهدد إضعاف موقع إسرائيل في مفاوضات إقليمية تشمل إعادة إعمار القطاع وترتيب الأوضاع السياسية بعد انتهاء العمليات العسكرية، كما قد يؤدي ذلك إلى تحريك ملف التوطين والتسوية السياسية على طاولة الاتحاد الأوروبي، وسط دعوات للاستجابة لمبادرة وقف النار التي قدمها الأمين العام للأمم المتحدة مؤخراً.
يحمل تعليق محادثات التجارة أبعاداً ليست سياسية فحسب، بل اقتصادية وأمنية أيضاً، حيث تُعتبر بريطانيا من أبرز الشركاء التجاريين لإسرائيل في الاتحاد الأوروبي، ويقدّر حجم التبادل التجاري بين البلدين بنحو 8.5 مليار دولار سنوياً، كما تشمل المفاوضات اتفاقيات تقنية وأمنية متقدمة تستهدف توطين صناعة الدفاع والأمن السيبراني؛ ما يعني أن أي تأخير أو تعليق قد يؤثر على جدول أعمال الشركات البريطانية والإسرائيلية ويؤخر مشاريع مشتركة مهمة.
ترى غالبية المراقبين أن الخطوة البريطانية تحمل رسالة ردع واضحة لنتنياهو وحكومته اليمينية المتشددة، لكنها تُبقي الباب مفتوحاً أمام العودة السريعة إلى المفاوضات في حال حدوث “تغيرات إيجابية” على الأرض، وفي مقدمتها اتفاق هدنة يسمح بإيصال المساعدات الإنسانية وإطلاق سراح أسرى من الطرفين، مما يشي بأن لندن تريد أن تلعب دور الوسيط غير المباشر لدفع الأطراف إلى تهدئة الأوضاع، تمهيداً لاستئناف مفاوضات أوسع على ضوء التفاهمات الدولية.
يبقى الملف الفلسطيني-الإسرائيلي على قمة الأولويات الدبلوماسية في الغرب، ويعكس قرار تعليق المباحثات التجارية البريطانية حجم الاستياء الدولي من استمرار العمليات العسكرية في غزة، وتوضح هذه الخطوة مدى ترابط السياسة والاقتصاد والأمن في إدارة الأزمات الإقليمية للمستقبل القريب، تتوقف إمكانية إعادة إطلاق مفاوضات التجارة والتعاون على قدرة إسرائيل على احتواء الأزمة وفتح معابر المساعدات وإظهار حسن نية تجاري ودبلوماسي يتوافق مع المتطلبات الدولية.