فرضت اليابان عقوبات اقتصادية على سوريا منذ عام 2011، استجابةً للانتهاكات الحقوقية وتردي الأوضاع الأمنية، شملت القيود حظر تصدير التكنولوجيا الحساسة وقيودًا على التمويل والمساعدات، كما استهدفتّ القيود شخصيات نافذة مرتبطة بالحكومة السورية، بهدف الضغط على النظام لتطبيق إصلاحات وتخفيض مستوى العسكرة، كما أن هذه العقوبات جاءت بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، التي كانت قد رفعت جزئيًا بعض القيود في مراحل لاحقة، غير أن العقوبات اليابانية ظلت قيد التطبيق الصارم خلال السنوات الماضية، مع استثناءات محدودة للمساعدات الإنسانية التي كانت تمر عبر آليات دولية، لتفادي تفاقم الأزمة الإنسانية.
جاء الإعلان الأخير من السلطات اليابانية عن نيتها رفع الحظر كاملاً أو جزئيًا عن سوريا نهاية الشهر الجاري، مدفوعًا بعدة عوامل، أولها التطورات الإقليمية الأخيرة التي شهدت تحوّلات في موازين القوى، وتراجع اهتمام بعض الدول بتطبيق مبدأ «الضغط الأقصى»، ثانيًا الرغبة في إعادة تفعيل العلاقات الاقتصادية مع دول المنطقة، بما في ذلك سوريا التي تُعدّ بوابة استراتيجية نحو أسواق العراق ولبنان، وثالثًا الضغوط على القطاع الصناعي الياباني الذي عانى من خسارة عقود مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، خاصة في مجال الطاقة والبنى الأساسية، مما دفع طوكيو إلى إعادة النظر في موقفها لضمان عدم تفويت فرص تجارية.
تزامن قرار اليابان مع تصريحات أمريكية سابقة تشير إلى رفع جزء من العقوبات عن دمشق، بعد تقييم محدود لمدى التزام النظام بالتخفيف من القمع وإدخال بعض الإصلاحات الإدارية، كما رحّبت روسيا والصين بالخطوة اليابانية، معتبرتين إياها مؤشرًا على نجاح سياسة الانفتاح وإعادة الإدماج الدبلوماسي لسوريا في المحافل الدولية، في حين عبرت بعض الدول الأوروبية عن تحفظات، داعية طوكيو إلى ربط الخطة بشروط إنسانية واضحة، تقلل من معاناة المدنيين وتضمن وصول المساعدات والمواد الأساسية، وهو ما قد يترجم في اشتراط وجود رقابة أممية على العقود المقبلة.
لم يخلُ المشهد السياسي الياباني من الجدل، إذ أعربت المعارضة في مجلس النواب عن مخاوف من عودة الأموال إلى يد فصائل لها سوابق في انتهاكات حقوق الإنسان، مستدركةً بأن رفع العقوبات لا يعني بالضرورة دعم النظام، ولكن يمكن توجيه المشاريع نحو إعادة الإعمار المدني والخدمي، بينما دافع الحزب الحاكم عن الخطوة باعتبارها «فرصة لتأدية دور إيجابي في إعادة توحيد سوريا مع محيطها العربي»، مؤكدًا أن زيادة التجارة والاستثمارات ستوفر موارد إضافية لدعم العملية الإنسانية، وقد اقترح بعض النواب إنشاء صندوق ياباني–سوري مشترك لمتابعة تنفيذ المشاريع وضمان الشفافية.
حدّد الجانب الياباني مجموعة من القطاعات التي يسعى لاستئناف التعاقد فيها فور رفع العقوبات، يتصدرها قطاع الطاقة لا سيما إصلاح شبكات الكهرباء ومحطات توليد الغاز، ثم قطاع البنى التحتية للطرق والجسور، يليها مشاريع المياه والصرف الصحي التي تضررت كثيرًا جراء سنوات القتال، إضافةً إلى قطاع الاتصالات حيث تأمل شركات يابانية في تقديم خبراتها لإعادة بناء البنى الرقمية، وأخيرًا قطاع التعليم من خلال بناء وتجهيز مدارس ومراكز تدريب مهني بما يدعم إعادة تأهيل الشباب السوريين العاطلين عن العمل.
رغم التفاؤل الرسمي، تواجه اليابان عدّة عقبات قبل بدء تنفيذ العقود، أولها ضرورة التنسيق مع المؤسسات الدولية لضمان عدم تعارض رفع العقوبات مع قرارات مجلس الأمن، ثانيًا إشكالية تأمين طرق وصول المعدات والمواد إلى سوريا من دون المرور بمناطق نزاع أو سيطرة جماعات مسلحة، ثالثًا الحاجة إلى ضمانات تعاقدية تحمي الاستثمارات اليابانية من مخاطر تقلبات سعر الصرف أو القرارات المحلية المفاجئة، ورابعًا تحدّي شفافية تنفيذ المشاريع في بيئة لا تزال تشهد فسادًا إدارياً، وهو ما دفع بطوكيو إلى اقتراح إشراك شركاء دوليين وإدارات محلية سورية فاعلة في الرقابة على مراحل التنفيذ.
يرى مراقبون أن نجاح خطة اليابان في إعادة الانفتاح على سوريا يعتمد على عنصرين رئيسيين: الأول التزام دمشق بحماية الاستثمارات وتقديم تسهيلات قانونية وإدارية، وثانيًا قدرة الشركات اليابانية على التعامل مع واقع ما بعد الحصار من خلال شراكات مع خبراء محليين وتقنيات مبتكرة تقلل التكاليف وترفع كفاءة التنفيذ، ومع توفير هذه المتطلبات، قد تشهد الأشهر المقبلة توقيع اتفاقيات كبرى يعيد جزءًا من الحياة الاقتصادية إلى سوريا ويمنحها دفعًا للاندماج الإقليمي، ويسمح لليابان باستعادة مكانتها كفاعل تنموي في الشرق الأوسط، بما يعود بالنفع على