في حديث إنساني عميق ومؤثر، كشف الفنان المصري خالد الصاوي عن معاناة نفسية حادّة مر بها في بدايات مشواره الفني، بعد تعرّض فيلم "جمال عبد الناصر" للفشل الجماهيري رغم تعويله الكبير عليه كنقطة تحول في مسيرته.
خالد الصاوي يكشف معاناته مع الاكتئاب بعد فشل فيلم "جمال عبد الناصر": "كنت مثل الطوبة"
الصاوي، المعروف بشخصيته الصريحة وميله للحديث عن القضايا النفسية والاجتماعية دون تجميل، تحدّث خلال لقاء تلفزيوني مع قناة تلفزيون عمّان عن تجربة وصفها بأنها من أصعب محطات حياته، حين وجد نفسه يواجه الاكتئاب الحاد بعد إخفاق الفيلم الذي كان يرى فيه حلم عمره.
"كنت أظنه فرصة العمر"
قال الصاوي خلال اللقاء: "أصابني الاكتئاب لأن الفيلم كان بالنسبة لي فرصة عمري. لم أعرف إن كنت أنا السبب في الفشل أم لا، وكنت أواجه الكثير من الأسئلة الداخلية بلا إجابة واضحة."
هذا الفيلم الذي أُنتج عام 1999، وجسّد فيه خالد الصاوي شخصية الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، كان يشكل له بوابة العبور إلى مكانة فنية مرموقة، ليس فقط بسبب أهمية الشخصية التي يؤديها، ولكن أيضًا لأن العمل كان محمّلًا بطموحات كبيرة، على مستوى الإخراج والأداء والإنتاج.
ورغم مشاركة نخبة من النجوم في الفيلم، مثل هشام سليم، جميل راتب، وغادة عبد الرازق، إلا أن الفيلم لم يحقق النجاح الجماهيري المرجو، ما تسبب بخيبة أمل كبيرة لفريق العمل، وعلى رأسهم خالد الصاوي.
اللجوء إلى العلاج النفسي
لم تكن الخيبة عابرة، فقد أكد الصاوي أنه اضطر إلى الرجوع إلى طبيب نفسي، وخضع لجلسات علاج منتظمة لمدة ثلاثة أشهر وقال:"انتظمت في الجلسات لمدة 3 شهور، وكنت بحاجة لمن يفهمني. كنت أعيش في دوامة من الشك والأسى، لا أعلم هل فشلت لأنني لم أؤدِ الدور جيدًا، أم أن المشكلة كانت خارجة عن إرادتي".
لكن المثير في تصريحاته، أنه نقل جزءًا ساخرًا من الحوار مع طبيبه، حيث قال إن الأخير أخبره في نهاية العلاج: "دعنا نكون أصدقاء لأنك مثل الطوبة، لا أجد لك مدخلًا.علاجك في يدك أنت".
"وهل يبدو لك أنني تعالجت؟"
في لمحة خفيفة الظل رغم الموضوع الثقيل، رد الصاوي على سؤال مقدّم البرنامج إن كان استطاع في النهاية معالجة نفسه بنفسه، قائلاً بابتسامة ساخرة: "وهل يبدو لك أنني تعالجت؟"
بهذه الجملة، حاول الصاوي أن يضفي روح الدعابة على تجربة كانت مؤلمة، لكنه لم يخفِ أثرها العميق على تكوينه الفني والنفسي.
فشل لا يقلل من القيمة
رغم فشل الفيلم جماهيريًا، يرى بعض النقاد أن أداء الصاوي في "جمال عبد الناصر" كان يحمل مقومات ممثل جاد وطموح، حاول أن يقدّم شخصية زعيم تاريخي بطريقة مختلفة؛ وقد يكون السبب في فشل الفيلم هو الزخم السياسي والتاريخي المحيط بالشخصية، الذي يصعب التعامل معه فنيًا، إضافة إلى توقيت عرضه، وعدم وجود خطة ترويجية كافية، وليس ضعف الأداء.
ومن المعروف أن تجسيد الشخصيات التاريخية، خصوصًا الشخصيات التي لا تزال حية في وجدان الناس، هو تحدٍّ كبير لأي ممثل، ما يزيد من الضغط النفسي على الفنان إذا لم تلقَ التجربة النجاح المتوقع.
الفنانون ومعاناة ما خلف الكواليس
تجربة خالد الصاوي تفتح باب النقاش حول الضغوط النفسية التي يتعرض لها الفنانون، والتي نادراً ما تُسلط عليها الأضواء فبين الأدوار الكبيرة والمظاهر البراقة، يعيش الكثير من الفنانين صراعات داخلية، خاصة عندما يرتبط فشل العمل الفني بتصوراتهم عن ذواتهم وقدراتهم.
حديث الصاوي كان بمثابة كسر لحاجز الصمت، واعتراف صريح بأن الفنان مهما بدا قويًا أو ناجحًا، يظل إنسانًا عرضة للخذلان والانهيار، ويحتاج للمساعدة شأنه شأن أي شخص آخر.
"الطوبة" التي تحولت إلى بناء فني صلب
رغم أن الصاوي وصف نفسه خلال تلك الفترة بـ"الطوبة"، إلا أن مسيرته بعد ذلك أثبتت أنه استطاع تحويل ألمه إلى طاقة إبداعية فقدّم عشرات الأدوار المتميزة في الدراما والسينما، مثل "عمارة يعقوبيان"، و"الجزيرة"، و"الفرح"، و"أهل كايرو"، و"الاختيار"، ليصبح واحدًا من أبرز الممثلين المصريين وأكثرهم تنوّعًا في الأداء.
قد تكون تجربة "جمال عبد الناصر" لحظة مؤلمة في مسيرته، لكنها بالتأكيد كانت درسًا كبيرًا في الصبر، والمرونة النفسية، وإعادة البناء بعد السقوط.
قصة خالد الصاوي مع الاكتئاب بعد فشل فيلم "جمال عبد الناصر" ليست مجرد حكاية فنية، بل مرآة لتجربة إنسانية عميقة، تسلط الضوء على هشاشة النفس في مواجهة الفشل، والحاجة الماسة أحيانًا للتوقف، والاعتراف بالضعف، وطلب المساعدة.
وإن كان الفيلم لم يحقق النجاح في وقته، فإن اعتراف الصاوي بهذه المشاعر بصدق وشجاعة، هو بمثابة نجاح آخر—نجاح في نزع الغطاء عن معاناة الفنان، وتقديم تجربة قد تُلهم غيره للصمود، والمحاولة من جديد.