تشهد منطقة الشرق الأوسط في عام 2025 تصاعدًا خطيرًا في أزمة المياه، حيث أصبحت ندرة الموارد المائية أحد أبرز التحديات البيئية والاقتصادية التي تواجه الحكومات، وتسببت موجات الجفاف الممتدة وارتفاع درجات الحرارة إلى انخفاض غير مسبوق في مناسيب الأنهار الرئيسية مثل نهر الفرات ونهر الأردن، مما أثار مخاوف من نزاعات إقليمية جديدة
بسبب تقاسم الحصص المائية
في العراق، انخفضت مستويات المياه في دجلة والفرات إلى أقل من 35% من معدلاتها الطبيعية وفقًا لوزارة الموارد المائية، ما أدى إلى تقلص المساحات الزراعية في جنوب البلاد وارتفاع معدلات الهجرة من الريف إلى المدن، وهو ما وصفه مسؤولون بأنه أزمة تهدد الأمن الغذائي وتُعرض آلاف العائلات لخطر الفقر
أما في سوريا، فقد تراجعت تدفقات المياه من نهر الفرات بنسبة 50% مقارنة بعام 2020، بسبب السدود التي أقيمت في أعالي النهر من دول الجوار، وهو ما زاد من معاناة السكان في المناطق الشرقية، حيث اضطرت الحكومة السورية إلى تقنين المياه في بعض المدن الكبرى، بينما خرجت مظاهرات شعبية في الرقة والحسكة للمطالبة بتحرك عاجل لإنقاذ الزراعة وتأمين مياه الشرب
من جهتها، أعلنت الحكومة الأردنية دخول المملكة في مرحلة "العجز المائي الحاد"، وأكد وزير المياه الأردني أن البلاد بحاجة إلى مصادر مياه بديلة خلال أقل من عامين لتجنب انهيار منظومة التوزيع، كما تزايد الاعتماد على مشاريع التحلية والنقل من البحر الأحمر، في وقت تثير فيه خطط إسرائيل لنقل مياه من البحر المتوسط عبر أنابيب ضخمة إلى النقب حالة من التوتر الإقليمي
في المقابل، تواجه مصر ضغوطًا متزايدة بشأن سد النهضة الإثيوبي الذي اكتمل ملؤه الرابع في أغسطس 2024، حيث حذرت الحكومة المصرية في بيان رسمي أن استمرار حجب المعلومات من الجانب الإثيوبي وعدم التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم سيؤثر على توافر المياه لنحو 100 مليون مواطن، خصوصًا مع انخفاض إيراد نهر النيل بنسبة 15% خلال الموسم الحالي
تسعى دول الخليج إلى تعويض النقص في الموارد المائية من خلال التوسع في محطات تحلية المياه، حيث ضخت السعودية استثمارات بقيمة 25 مليار دولار في مشاريع تحلية جديدة على البحر الأحمر والخليج العربي، بينما أطلقت الإمارات مشروع "الغياث" لتحلية مياه البحر بالطاقة الشمسية، والذي من المتوقع أن يغذي أكثر من مليون نسمة بحلول نهاية 2025
ورغم هذه الجهود، تؤكد تقارير بيئية حديثة صادرة عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن أكثر من 60% من سكان الشرق الأوسط سيعيشون تحت خط الفقر المائي في غضون خمس سنوات، إذا لم يتم تبني سياسات إقليمية مشتركة لإدارة الموارد وتحقيق العدالة المائية والتخلي عن النهج الأحادي في بناء السدود أو تحويل مجاري الأنهار
تتطلب المرحلة المقبلة تنسيقًا غير مسبوق بين دول المنطقة عبر مفاوضات شفافة واتفاقات تضمن حقوق الشعوب في المياه وتضع الأمن المائي على رأس أولويات الحكومات، مع ضرورة الاستثمار في تقنيات إعادة تدوير المياه وتطوير البنية التحتية لمنع تسرب المياه وهدرها.