تم إطلاق أول منشأة عربية لإنتاج الهيدروجين الأخضر في مدينة نيوم السعودية التي تهدف إلى تحقيق نقلة نوعية في تقنيات الطاقة المتجددة وتعتبر الفقرة محطة فارقة في جهود المملكة للانفتاح على مصادر طاقة خالية من الكربون، وقد شهد حفل الافتتاح مشاركة وزراء الطاقة من دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى خبراء دوليين في تكنولوجيا التحليل الكهربائي للمياه مما يعكس رهان القيادة السعودية على توظيف الذكاء الاصطناعي في مراقبة عمليات التحويل وترشيد استهلاك الكهرباء، ويعتمد المصنع على ألواح شمسية عملاقة وتوربينات رياح برية لتوليد الطاقة اللازمة لتشغيل أنظمة التحليل الكهربائي على مدار الساعة دون انبعاثات ضارة، ويأتي هذا المشروع في إطار رؤية ٢٠٣٠ التي تركز على تنويع مصادر الدخل وخلق صناعات صديقة للبيئة مع توقعات بإنتاج أكثر من مئة ألف طن من الهيدروجين سنوياً للمساهمة في الصناعات الثقيلة والنقل البحري والبترولي وهزيمة الاعتماد على الوقود الأحفوري بصورة تدريجية وتوفير وظائف جديدة للشباب السعودي وتأهيله للتخصصات المستقبلية في مجال الطاقة المستدامة.

 

يضم مجمع التخزين الضخم إطلاق خزانات فائقة التحمل قادرة على حفظ الهيدروجين المضغوط في درجات حرارة منخفضة وبمعايير أمان عالمية مع تجهيزات متقدمة للسلامة والإنذار المبكر للتسربات مما يعزز الثقة لدى المستثمرين ويؤكد قدرة الفقرة على تنفيذ مشاريع بهذا الحجم دون المخاطرة بالبيئة أو سلامة العاملين، وتعمل المختبرات المرفقة على تطوير أبحاث جديدة لتحسين كفاءة التحليل الكهربائي وتقليل التكلفة التشغيلية للمفاعل بالمقارنة مع المفاعلات التقليدية، ويشمل مجمع البحث والتطوير فريقاً من العلماء السعوديين والأوروبيين واليابانيين الذين يسعون إلى ابتكار تقنيات تحويل الطاقة إلى وقود سائل قابل للنقل لمسافات طويلة، فضلاً عن تعاون مع قطاعات النقل البحري لتجربة الهيدروجين الأخضر كوقود نظيف للسفن في الخليج العربي.

 

يرتبط المصنع الوحيد من نوعه في الوطن العربي بشبكة نقل متطورة تعتمد على أنابيب فائقة الضغط ومضخات كهربائية لرفع الهيدروجين وتوزيعه على محطات التزود في المدن الصناعية والموانئ مجانبة الفقرة أي شكوك حول قدرة البنية التحتية على التحمل، وتسمح الأنابيب الذكية المجهزة بأجهزة استشعار مدمجة بمراقبة ضغط الغاز ودرجة الحرارة ورصد أي تسربات لحظية مع إمكانية الإغلاق التلقائي للمقاطع المصابة حفاظاً على السلامة، وقد بدأ تشغيل جزء من الشبكة في جدة وينتظر اكتمال الربط مع مدينة الدمام ومشروع البحر الأحمر السياحي لإيصال الوقود الأخضر إلى المشاريع الكبرى وتخفيض الانبعاثات في القطاعات البحرية والصناعية.

 

ترافق إطلاق افتتاح المنشأة اتفاقيات شراكة استراتيجية بين السعودية وألمانيا واليابان بهدف نقل الخبرات التقنية وتبادل كوادر متخصصة في مجال الطاقة المتجددة ورفع القدرات الوطنية في جامعة نيوم التقنية وحاضنات الابتكار، حيث تم توقيع مذكرات تفاهم لإنشاء مركز تدريب متخصص في تقنيات فصل الهيدروجين عن الغازات المختلطة وإدارة مخاطر التخزين على نطاق صناعي، وتعمل وحدة التدريب على إعداد شهادات مهنية معترف بها دولياً لتلبية احتياجات سوق العمل الإقليمي المتنامي في هذا الحقل، وتعول الجهات الرسمية على أن يصبح المجمع مركز جذب للباحثين ورواد الأعمال والمستثمرين في مجال الاقتصاد الأخضر.

 

توقع الخبراء أن يسهم بدء إنتاج الهيدروجين الأخضر في خفض واردات النفط السعودي للمصانع الكهربائية بنسبة تصل الى عشرين في المئة خلال السنوات الخمس المقبلة مما يدعم الفقرة خطط التقشف الطاقي ويحول الفوائض الى صادرات مربحة، كما يفتح المجال لابتكار قطاعات جديدة مثل تصنيع خلايا الوقود وتطوير اللوائح التشريعية الخاصة بسلامة نقل واستخدام الهيدروجين، وفي هذا السياق أطلقت وزارة النقل مشروعاً لتحديث قواعد نقل الغاز في الشاحنات الثابتة والمتحركة تحت معايير عالمية لضمان التوافق مع الرؤى المستقبلية لبلوغ الحياد الكربوني وتعزيز مكانة السعودية كقوة رائدة في سوق الطاقة العالمي.

 

يعكف الآن مجلس مستثمري الطاقة المستدامة على دراسة خطوات توسعة المنشأة واستثمار تقنيات الانحلال الحراري للهيدروكربونات لتحويل النفايات البلاستيكية الى هيدروجين أخضر إضافي بالتعاون مع الشركات الناشئة الفقرة المعنية بالاقتصاد الدائري، بينما تدرس هيئة المدن الصناعية إضافة مجمعات مماثلة في المنطقة الشرقية واحة البحر الأحمر بهدف توزيع القدرات الإنتاجية وتقليل التكاليف اللوجستية مع الاستعداد لاستقبال عقود الشحن البحري لمسافات طويلة الى أوروبا واليابان بما يعزّز التحول نحو اقتصاد منخفض الانبعاثات ويمهد لحقبة جديدة في تاريخ الطاقة العربية.