انطلقت المظاهرات في شوارع البصرة بعد أن شهد سكان المدينة فشل السلطات في توفير مياه شرب صالحة منذ أسابيع قليلة مع تزايد الشكاوى من رائحة كريهة ولون غائم للمياه مما دفع العائلات للتجمع أمام مبنى محافظة البصرة حاملين لافتات تطالب بتحقيق فوري في مصدر التلوث وحل جذري للمشكلة وسط أجواء حماسية لم تشهدها المحافظة منذ سنوات طويلة، وتداول الناشطون عبر منصات التواصل مقاطع فيديو تظهر الأهالي وهم يسكبون مياه النهر على وجوههم تأكيداً على معاناتهم اليومية وتنديداً بإهمال الجهات المسؤولة، وشارك في الاحتجاجات طلبة المدارس والموظفون الحكوميون والأطباء في مستشفى البصرة التعليمي مما يبرز اتساع دائرة الغضب الشعبي ومدى تأثير الأزمة على جميع فئات المجتمع
لم يقتصر التأثير على مياه الشرب فحسب بل امتد أيضاً إلى مساحات زراعية واسعة تعتمد على مياه نهر الفرات في ري المحاصيل الأساسية مثل الخضروات والفواكه ما أدى إلى ظهور بقع صفراء واسوداد جذور النباتات مع تسجيل حالات تسمم بين المواشي والأغنام الأمر الذي دفع بعض المزارعين لوقف أعمالهم مؤقتاً خوفاً من خسائر فادحة في محصول العام، وصرح مهندس الري في مديرية الزراعة بأن الاختبارات المخبرية أظهرت ارتفاعاً كبيراً في نسبة المعادن الثقيلة والمواد الكيميائية السامة في المياه وهو ما يهدد الصحة العامة للإنسان والحيوان على حد سواء
المؤسسات الحكومية تنفي وتتهم جهات أخرى
في المقابل أصدرت وزارة الموارد المائية بياناً نفت فيه مسؤوليتها عن تلوث مياه الفرات مُحيلةً الأزمة إلى أعمال تخزين غير نظامي للمياه الجوفية من قبل بعض الشركات الصناعية في محافظات الشمال العراقي دون ترخيص مسبق فيما اتهمت هيئة المنافذ الحدودية دول الجوار بإطلاق كميات كبيرة من الملوثات غير المعالجة إلى الأنهار العابرة للحدود وترك العراق يعاني وحده تداعيات ذلك في ظل غياب تنسيق بيئي فعال بين الدولة وجيرانها، وأبدى المتحدث الرسمي للوزارة استغرابه من الهجوم الإعلامي على شركته مؤكداً أن شبكات الفحص والمراقبة تعمل على مدار الساعة وأن التقارير تتوضح أن التلوث مصدره خارجي ولا علاقة للأنابيب الحكومية البالية بما شهدته البصرة من أزمة
المنظمات الدولية تحذر من كارثة صحية وبيئية
في ضوء التصريحات المتضاربة أطلقت منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للبيئة تحذيرات مشتركة من اندلاع موجة واسعة من الأمراض المنقولة عبر المياه مثل الكوليرا والتهاب الكبد الألفي خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة خلال الصيف المقبل وحالة الانسداد المروري التي أعاقت وصول السيارات المحملة بعبوات المياه النظيفة إلى بعض الأحياء مما يعمق المخاطر الصحية والاقتصادية، وطالبت المنظمتان بفرض إجراءات طارئة تشمل حظر فوري لاستخدام مياه النهر لأي أغراض زراعية أو منزلية حتى تنتهي عمليات التنقية ومعالجة التلوث مع توفير مصادر بديلة مثل تنقية مياه البحر أو استيرادها عبر صهاريج ضخمة لتخفيف الضغط عن البنية التحتية المحلية
دعوات للضغط على العراق وجيرانه لاتخاذ إجراءات عاجلة
سرعان ما انخرطت منظمات المجتمع المدني العراقية والعربية في دعوات لتوقيع عريضة إلكترونية تطالب بعقد قمة طارئة تضم وزراء المياه والبيئة من دول حوض الفرات مع توفير دعم فني ومادي من الاتحاد الأوروبي واليابان وتركيا بهدف إنشاء محطة تنقية مشتركة على الحدود الشمالية للعراق وتفعيل بروتوكولات ترحيل المياه العادمة ومعالجتها، ورأى خبراء في شؤون المياه أن الأزمة قد تتحول إلى أزمة إنسانية إذا شهد العراق شتاءً قاسياً أو موجة جفاف أخرى مطالبةً بإنشاء خطط استراتيجية طويلة المدى تشمل تحسين شبكات الري وإعادة تأهيل محطات الطاقة التي تعمل بالطاقة الشمسية لأنظمة الضخ الحديثة لتقليل الاعتماد على المولدات البخارية الملوثة وتخفيض نفقات التشغيل الحكومية في آن واحد.