في الوقت الذي تعاني فيه الأسر المصرية من ارتفاع الأسعار وتعتمد على منظومة التموين كمصدر رئيسي لتوفير السلع الأساسية بأسعار مدعومة، تتكرر وقائع الفساد داخل وزارة التموين، وهذه المرة تطال مشروع «جمعيتي»، أحد أهم المبادرات الحكومية لتوزيع السلع التموينية وخلق فرص عمل للشباب. فقد كشفت عن مخالفات صارخة تتعلق بتشغيل عدد من المنافذ دون عقود رسمية، في مخالفة صريحة للوائح والقوانين، وهو ما يعيد إلى الواجهة أسئلة كثيرة حول مدى فاعلية الرقابة على هذا القطاع الحيوي.
مشروع «جمعيتي»: هدف نبيل تُشوّهه الممارسات الخاطئة
أُطلق مشروع «جمعيتي» في إطار جهود وزارة التموين لإنشاء شبكة واسعة من المنافذ التي تقدم السلع التموينية للمواطنين بأسعار مخفّضة، وذلك بالتعاون مع شركات حكومية مثل الشركة المصرية لتجارة الجملة. كما يهدف المشروع إلى تمكين الشباب عبر توفير فرص عمل مستقرة ومنظمة في مجال تجارة السلع الأساسية.
في يونيو 2024، أصدرت الوزارة القرار رقم 105 لسنة 2024 لتنظيم تشغيل المنافذ، مشددة على ضرورة وجود عقود رسمية وموافقة السلطة المختصة، بالإضافة إلى استيفاء شروط إدارية ومكانية لضمان النزاهة والشفافية في إدارة المشروع.
مخالفات جسيمة تكشفها وثيقة رسمية: لا عقود ولا رقابة
الوثيقة التي تم الكشف عنها تشير إلى التحقيق رقم 455 لسنة 2024، الذي كشف أن بعض المنافذ تُدار دون وجود عقود رسمية مع وزارة التموين، وهو ما يُعد مخالفة إدارية جسيمة تضرب بمبدأ الشفافية عرض الحائط.
ووفقًا لإفادة مدير عام مبيعات شركة مصر الوسطى لتجارة الجملة، فإن المخالفة لم تسفر عن أضرار مالية مباشرة على الشركة، إذ تم توريد المبالغ التموينية بصورة منتظمة. ولكن وجود منافذ تعمل خارج إطار التعاقد الرسمي يفتح الباب واسعًا أمام احتمالات سوء الاستخدام والتلاعب، وهو ما يتعارض تمامًا مع أهداف المشروع.
الفساد يتكرر: سلسلة من الفضائح تهز وزارة التموين
لم تكن هذه الواقعة هي الأولى من نوعها، فقد سبق وأن كشفت هيئة الرقابة الإدارية في ديسمبر 2023 عن شبكة فساد داخل الوزارة، تضم 9 متهمين من بينهم مستشار وزير التموين ومدير مشروع «جمعيتي» بشركة النيل للمجمعات الاستهلاكية، بتهم تتعلق بالتلاعب في كميات السكر وحجب السلع التموينية.
وفي أبريل 2024، صدر حكم بالسجن المشدد 18 عامًا ضد مستشار الوزير بعد إدانته بتهم فساد ورشوة، مما أدى إلى استقالة أحد كبار مسؤولي الوزارة في ديسمبر من العام ذاته. هذا التسلسل الزمني يُبرز أزمة الرقابة والتفتيش داخل الوزارة، ويؤكد ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة للحفاظ على المال العام وحقوق المواطنين.
إجراءات متوقعة: إعادة هيكلة أم إجراءات شكلية؟
من المنتظر أن يؤدي التحقيق الحالي إلى فرض عقوبات إدارية وربما قانونية على المسؤولين عن تشغيل المنافذ دون عقود، وقد يتبع ذلك إعادة هيكلة في إجراءات الرقابة على مشروع «جمعيتي». كما تواصل الوزارة جهودها في تحسين قواعد البيانات التموينية، وقد شهد عام 2022 حذف أكثر من 153 ألف بطاقة تموينية لعدم الاستحقاق.
تكرار وقائع الفساد داخل وزارة التموين، وخاصة في مشروع «جمعيتي»، يضع علامات استفهام كبيرة حول آليات المتابعة والرقابة، ويهدد فعالية منظومة الدعم التي يعتمد عليها ملايين المواطنين. وبينما تتعهد الوزارة بالشفافية، تبقى الخطوات الجادة على أرض الواقع هي المقياس الحقيقي للإصلاح. المطلوب اليوم ليس فقط محاسبة الأفراد، بل إصلاح المنظومة من جذورها لضمان استمرار الدعم لمستحقيه دون استغلال أو فساد.