أطلق مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية حملة توعوية جديدة تحت شعار: "أولادنا نعمة.. والعنف لا يأتي بخير!"، وذلك بهدف دعوة الآباء والأمهات والمربين إلى تبني أساليب رحيمة وواعية في تنشئة الأطفال. يؤكد المركز أن الأطفال "أمانة ومسؤولية" وأن مراحل الطفولة هي "مرحلة بناء لا عقاب". تأتي هذه الحملة في إطار جهود الأزهر المستمرة لنشر الوعي بأهمية التربية الإيجابية وتأثيرها على مستقبل الأجيال القادمة. وتهدف الحملة إلى تسليط الضوء على الآثار السلبية للعنف اللفظي والجسدي على الأطفال، وتقديم بدائل تربوية فعالة تعزز النمو السليم للطفل.

التربية الإيجابية: بناء لا عقاب

أوضح المركز أن استخدام العنف – سواء كان ذلك بالصراخ أو الضرب أو الإهانة – يخلّف آثارًا نفسية وتربوية بالغة الخطورة على المدى البعيد. بينما يثمر الرفق والنموذج الحسن شخصيات واثقة قادرة على الإبداع وخدمة المجتمع. واستدل المركز بقول النبي ﷺ: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه» (رواه مسلم)، وبقوله ﷺ لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «يا عائشة ارفقي؛ فإن الله إذا أراد بأهل بيت خيرًا أدخل عليهم الرفق» (أحمد). وأشار البيان إلى أن تجارب الواقع التربوي تُظهر أن العنف الجسدي أو النفسي يُنتج أطفالًا قلقين، ضعيفي الثقة بالنفس، وأقل قدرة على الإبداع والتكيف الاجتماعي. فالطفولة هي مرحلة حساسة تتشكل فيها شخصية الإنسان، وأي تجارب سلبية في هذه المرحلة يمكن أن تترك آثارًا عميقة على الصحة النفسية والعاطفية للطفل في المستقبل.

مراعاة الفروق الفردية وأهمية الرفق

انتقد المركز أنماط التربية التي "تُسوّي قسرًا بين مختلف الأطفال" لمجرد أنهم في العمر نفسه. فالقدرات، والميول، ومستوى النشاط، والحساسية الانفعالية تختلف من طفل لآخر. ودعا المربين إلى اكتشاف مواهب كل طفل، وتكييف أساليب التوجيه وفق احتياجاته الخاصة بدل القياس الموحد غير العادل. واستأنس المركز بقول النبي ﷺ: «كلٌّ ميسَّر لما خُلق له» (مسلم). كما شدد البيان على قوة الكلمة الطيبة واللمسة الحانية في بناء الرجاء الداخلي لدى الصغار. المدح عند بذل الجهد، التشجيع عند التعثر، والاحتفاء بالتقدم البسيط كلها تغذّي حب التعلم. واستحضر المركز قول النبي ﷺ: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا» (أحمد)، وموقفه العملي في تقبيل الحسن والحسين وقوله ﷺ: «من لا يرحم لا يُرحم» (متفق عليه). فالرفق بالطفل ليس مجرد سلوك إنساني، بل هو أساس لبناء شخصية سوية قادرة على العطاء والابتكار.

التحذير من أساليب العقاب المؤذية وتقديم بدائل تربوية

حذّر المركز من ممارسات شائعة مثل: الصراخ المتكرر، الضرب المبرح، السخرية أمام الآخرين، والتهديد المستمر. هذه الأساليب تترك "ندوبًا عاطفية" قد تتحوّل إلى عدوانية أو انكسار داخلي، وتُنتِج شخصيات هشّة أو ناقمة. ودعا المربّي قبل معاقبة الطفل إلى البحث عن سبب السلوك: هل هي صعوبة فهم؟ ضغط نفسي؟ رغبة في لفت الانتباه؟ الفهم يسبق اللوم. وقدم مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية "دليلًا موجزًا" للمربين، جاء فيه: فرِّق بين الطفل وخطئه، ضع قواعد واضحة ومعلنة، الثبات على الموقف، عقاب تربوي لا انتقامي، اربط الحزم بالحب، تجنّب العقاب وأنت غاضب، ناقش بعد الموقف، استخدم التعزيز الإيجابي، وعند الحاجة استعن بمتخصص. هذه النصائح العملية تهدف إلى مساعدة المربين على التعامل مع سلوكيات الأطفال بطريقة إيجابية وبناءة، مع التركيز على فهم احتياجات الطفل وتشجيعه على النمو والتطور.

دعوة للمتابعة والتواصل

دعا المركز الأسر إلى متابعة منتجاته التوعوية الدورية عبر منصاته الرسمية، والتواصل للاستفسار عن قضايا التربية والأسرة. كما أشار إلى أن مزيدًا من المواد المرئية والإنفوجرافيك سيُنشر تباعًا دعمًا لحملة "أولادنا نعمة". تأتي هذه الدعوة في إطار حرص مركز الأزهر على التواصل المستمر مع الجمهور وتقديم الدعم والإرشاد اللازمين للأسر في تربية أبنائهم. فالتربية هي مسؤولية مشتركة بين الأسرة والمجتمع، وتتطلب تضافر الجهود لتحقيق أفضل النتائج. ومن خلال هذه الحملة، يسعى مركز الأزهر إلى المساهمة في بناء جيل واعي ومثقف وقادر على مواجهة تحديات المستقبل.