غزة، رمز الصمود والتحدي، لطالما كانت مثالًا حيًا على قدرة الإنسان على التكيف والبقاء في وجه أقسى الظروف. فالإنسان هو باني حياته ومستقبله، ورغم كل التحديات، يصر على شق طريقه نحو الأمل. وكما قيل، "ما دام الإنسان حيًّا سيشق طريقه في الحياة ولو حفره بأظافره"، وهذا ما تجسده غزة وأهلها. فبعد السابع من أكتوبر، واجه القطاع حصارًا خانقًا، حيث قُطعت الكهرباء والوقود والاتصالات والماء والدواء والغذاء والملابس، وهي أساسيات الحياة البشرية. لكن، كيف استجاب ابن غزة، ابن الانتفاضة الأولى، ابن الحصار؟
لقد أظهر ابن غزة قدرة استثنائية على الصمود والإبداع في مواجهة هذه الظروف القاسية. فقد ابتكر حلولًا بديلة لتوفير الطاقة، واستخدم الموارد المتاحة بأقصى كفاءة. فقد عمل على تجميع أنظمة طاقة شمسية بدائية لتشغيل الأجهزة الضرورية، وحفر الآبار الارتوازية لتوفير المياه، وتبادل الخبرات والمعرفة لإنتاج الغذاء محليًا. لم يستسلم ابن غزة لليأس، بل حوّل التحديات إلى فرص للإبداع والابتكار. فقد أثبت أن الإرادة الإنسانية قادرة على التغلب على كل الصعاب، وأن الأمل يمكن أن يزهر حتى في أحلك الظروف.
وتعكس شهادة يسرا الخطيب، التي جاءت بعنوان "حكايات لم تكتمل"، صورة مؤثرة عن الحياة في غزة. ففي وصفها ليوم شديد البرد والمطر، حيث أغرقت المياه الخيام، رأت مجموعة من الأطفال يرتدون ملابس بيضاء ويتراقصون بين الخيام. كانوا يتقافزون بفرح، وكأنهم يتهادون على قرع طبول غير مسموعة، متجهين نحو ظل خيمة بحثًا عن أرض جافة وبقايا أشعة الشمس. هؤلاء الأطفال، رغم كل الصعاب، وجدوا طريقة للاحتفال بالحياة، وللتعبير عن فرحهم وأملهم. كانوا يلعبون لعبة الظل والخيام، ويغنون ويرددون الأهازيج، متحدين الظروف القاسية.
تضيف يسرا الخطيب في شهادتها: "زادت حركاتهم البهلوانية.. ارتفعت أصواتهم المشاغبة بالغناء والدحية، متعانقين على امتداد الفراغ ما بين الخيمة والخيمة، يعلو النشيد، يعلو الهتاف، يعلو الدعاء، يعلو التكبير. ونكاية بالخيام، وبمن نصب الخيام، وبمن تبرع بالخيام، ونكاية بمن أرسل لهم أكفانًا بيضاء، رفعوا أحدهم على الأكتاف وساروا بين الجميع يزفون شهيدهم استباقًا لموته." هذه الكلمات تعبر عن روح التحدي والصمود التي يتمتع بها أطفال غزة. فهم يرفضون الاستسلام للخوف واليأس، ويختارون الاحتفال بالحياة والأمل، حتى في ظل الموت والدمار.
إن قصة غزة هي قصة إرادة الحياة التي لا تنكسر. إنها قصة شعب يصر على البقاء والصمود، رغم كل التحديات. إنها قصة أطفال يرقصون بين الخيام، ويغنون للحياة، متحدين الموت والدمار. إنها قصة ابن غزة الذي يصنع الأعاجيب من أجل أن تستمر رئتاه في استنشاق الهواء، وقدماه في السير إلى الهدف القريب البعيد.. إلى القدس. فغزة ليست مجرد بقعة على الخريطة، بل هي رمز للأمل والصمود والإرادة الإنسانية التي لا تقهر. غزة باقية.