في لفتة إنسانية وعلمية مؤثرة، قررت جامعة الأزهر تكريم باحثة وافتها المنية قبل أن تتمكن من مناقشة رسالة الماجستير الخاصة بها. رغم معاناتها مع المرض، إلا أنها استمرت في الاجتهاد والمذاكرة والتواصل الدائم مع المشرفين عليها حتى وهي في العناية المركزة. رسالتها، التي جاءت تحت عنوان "جهود مفكري الإسلام في الرد على الإلحاد في الفكر المعاصر"، حظيت بتقدير كبير واعتُبرت من الأعمال العلمية المتميزة. لكن القدر لم يمهل الباحثة الراحلة حتى تشهد لحظة المناقشة المنتظرة.
إيمانًا بقيمة العلم والوفاء لأهله، اتخذت جامعة الأزهر قرارًا استثنائيًا بعقد مناقشة فعلية للرسالة بحضور لجنة المناقشة والإشراف، وزملائها، وأفراد أسرتها. في مشهد مؤثر، وُضع اسم الباحثة الراحلة على الكرسي المخصص لها، وتولت لجنة الإشراف مهمة الدفاع عن الرسالة والرد على استفسارات اللجنة نيابة عنها. هذه الخطوة تعكس تقدير الجامعة العميق للجهود التي بذلتها الباحثة، وإصرارها على تكريم مسيرتها العلمية رغم رحيلها.
في نهاية المناقشة، اتخذت اللجنة قرارًا بمنح الباحثة الراحلة درجة الماجستير شرفيًا، تقديرًا لجهودها المضنية، وصبرها وثباتها، وعطائها العلمي المتميز. هذه اللفتة الكريمة ليست الأولى من نوعها في جامعة الأزهر، ففي وقت سابق، كرّمت الجامعة الباحثة الراحلة هانم محمود أبو اليزيد، التي توفيت قبل مناقشة رسالة الدكتوراه في اللغويات، بمنحها درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف، بعد مناقشة رسالتها بشكل رسمي تكريمًا لمسيرتها العلمية الحافلة.
تؤكد جامعة الأزهر في كلتا الحالتين على مبدأ راسخ وهو أن "الجهد الصادق لا يُنسى"، وأن الجامعة لا تكتفي بدورها التعليمي التقليدي، بل تظل بيتًا للعلم والوفاء، تقدّر من ساروا في درب المعرفة واجتهدوا في تحصيل العلم حتى بعد الرحيل عن عالمنا. هذه المبادرات تعكس قيمًا إنسانية نبيلة وتؤكد على أهمية تكريم العلم والعلماء، وتشجيع الباحثين على بذل المزيد من الجهد في سبيل خدمة العلم والمجتمع.
رحم الله الدكتورة أميرة، والدكتورة هانم، وجعل علمهما صدقة جارية في ميزان حسناتهما. تبقى قصصهما نبراسًا يضيء درب العلم والمعرفة للأجيال القادمة، وتذكيرًا بأن الجهد والإخلاص هما أساس النجاح والتقدير، وأن الوفاء والتقدير هما من شيم الكرام. جامعة الأزهر، بهذا التكريم، ترسخ مكانتها كمنارة للعلم والأخلاق، وبيتًا يحتضن الباحثين ويكرم جهودهم حتى بعد الممات.