شهدت فعاليات ومهرجانات مختلفة في أوروبا مؤخرًا تحولًا ملحوظًا نحو التعبير السياسي الصريح، وتحديدًا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. فمن مهرجان سان فيرمين في إسبانيا، مرورًا بمدينة دورتموند الألمانية، وصولًا إلى مهرجان جلاستونبري الموسيقي في بريطانيا، أصبحت هذه المنصات مسرحًا لهتافات وشعارات تضامنية مع فلسطين، وأخرى منددة بالسياسات الإسرائيلية، مما أثار جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية. هذه الأحداث تسلط الضوء على التوتر المتزايد بين حرية التعبير والمسؤولية عن الخطاب، خاصة في الفضاءات العامة التي يفترض أن تكون مخصصة للثقافة والاحتفال.
مهرجان سان فيرمين: تضامن صريح مع فلسطين
انطلق مهرجان سان فيرمين التقليدي في مدينة بامبلونا الإسبانية هذا العام بطابع سياسي واضح، حيث وجهت منصة "يالا نافاروا من أجل فلسطين" رسالة تضامن قوية مع غزة. وخلال فعالية "تشوبينازو" الشهيرة، ردد آلاف المشاركين هتافات مثل "عاشت فلسطين حرة" و"أوقفوا الإبادة الجماعية"، في كسر غير معتاد للتقاليد المعتادة للمهرجان. على الرغم من الحظر المفروض على الشعارات السياسية في مثل هذه المناسبات، هتف عدد من النواب المحليين من شرفة البلدية بعبارات تضامنية، وسط حضور جماهيري كبير. وأكد رئيس بلدية بامبلونا، خوسيبا أسيرون، أن هذه المبادرة تعكس التزام المدينة بحقوق الإنسان، وإيصال "رسالة تضامن وعقلانية وإنسانية إلى العالم". هذا التحول في مهرجان ذي طابع احتفالي بحت إلى منصة للتعبير السياسي يعكس تنامي الوعي بالقضايا العالمية وتأثيرها على المجتمعات المحلية.
دورتموند الألمانية: شعارات تصعيدية تثير القلق
في ألمانيا، تصاعدت مشاعر الغضب أيضًا، خصوصًا في مدينة دورتموند، حيث انتشرت شعارات مناهضة لإسرائيل على جدران عدد من الأحياء، منها ما كتب بشكل بارز: "الموت لجيش إسرائيل". وانتشرت الصور على وسائل التواصل الاجتماعي، ما أثار نقاشًا عامًا واسعًا حول حدود حرية التعبير وخطاب الكراهية. وفي كلمة خلال أحد التجمعات، اتهم ناشط سياسي بارز، يُدعى فيلان، كلا من بريطانيا والولايات المتحدة بـ"التواطؤ في الإبادة الجماعية بغزة"، قبل أن يُشعل الجدل أكثر بإطلاقه هتافات: "الموت، الموت لجيش الدفاع الإسرائيلي"، التي رددها الحضور، ما أثار انتقادات سياسية وإعلامية واسعة. هذه الحوادث تثير تساؤلات حول كيفية التعامل مع الخطابات التحريضية التي قد تؤدي إلى تصعيد العنف والكراهية، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية المتزايدة.
بريطانيا: مهرجان جلاستونبري يتحول إلى منبر سياسي
لم تكن بريطانيا بمعزل عن هذا التوتر، إذ شهد مهرجان جلاستونبري 2025، أحد أبرز الفعاليات الموسيقية في المملكة المتحدة، لحظات غير مسبوقة عندما تحولت بعض عروضه الغنائية إلى ساحة تضامن سياسي مع فلسطين. فرقتا الراب "بوب فايلان" و"نيكاب" استخدمتا عروضهما لإطلاق هتافات مثل: "الموت للجيش الإسرائيلي" و"حرروا فلسطين"، ما أدى إلى موجة انتقادات حادة من سياسيين بريطانيين وإعلاميين، اتهموا المنظمين بـ"تسييس المهرجان" و"نشر رسائل مثيرة للانقسام". هذه الانتقادات تسلط الضوء على التحديات التي تواجه الفعاليات الثقافية الكبرى في الحفاظ على حياديتها السياسية، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا خلافية مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. هل يجب على الفنانين والمبدعين أن يمتنعوا عن التعبير عن آرائهم السياسية في مثل هذه المنصات، أم أن حرية التعبير يجب أن تكون مكفولة بغض النظر عن السياق؟
تعكس هذه التحركات في سان فيرمين ودورتموند وجلاستونبري موجة تضامن متزايدة مع القضية الفلسطينية في عدد من العواصم الأوروبية. يأتي ذلك في وقت تتزايد فيه المظاهرات الداعمة لغزة، وسط تشديد أمني لاحتواء أي أعمال قد تخرج عن السيطرة. ويعكس هذا الزخم التضامني تنامي الغضب الشعبي من استمرار الحرب، لكنه في الوقت نفسه يثير تساؤلات حادة حول الحدود الفاصلة بين التعبير السياسي والتطرف، خاصة في فضاءات عامة يفترض أن تكون ثقافية أو احتفالية. إن التحدي الأكبر يكمن في إيجاد توازن بين حماية حرية التعبير وضمان عدم استخدامها لنشر الكراهية والتحريض على العنف. يجب على المجتمعات الأوروبية أن تتعامل مع هذه القضية بحساسية ومسؤولية، مع الأخذ في الاعتبار جميع وجهات النظر والسياقات المختلفة.