في إنجاز جديد يضاف إلى سجل الدولة المصرية في مجال حماية وصون التراث الثقافي، أعلنت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) رسميًا عن رفع موقع دير أبو مينا الأثري بمدينة برج العرب بالإسكندرية من قائمة التراث العالمي المعرض للخطر. هذا القرار، الذي اتخذ خلال اجتماعات الدورة الـ 47 للجنة التراث العالمي في باريس، يمثل اعترافًا دوليًا بالجهود المصرية المبذولة للحفاظ على هذا الموقع الأثري الهام وتأهيله للخروج من دائرة الخطر. دير أبو مينا، الذي يعود تاريخه إلى القرون الميلادية الأولى، يحظى بأهمية تاريخية ودينية كبيرة، حيث كان مركزًا للحج المسيحي في العصور القديمة، ويضم آثارًا معمارية فريدة تعكس تطور الفن والعمارة القبطية. إدراجه على قائمة التراث العالمي المعرض للخطر في عام 2001 جاء نتيجة لتدهور حالته بسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية وتأثيرها على أساسات المباني الأثرية. ومنذ ذلك الحين، بذلت الحكومة المصرية جهودًا مكثفة لمعالجة هذه المشكلة وتنفيذ خطة شاملة للحفاظ على الموقع.

 

جهود مصرية مكثفة للحفاظ على دير أبو مينا

الجهود المصرية في الحفاظ على دير أبو مينا تضمنت عدة مراحل، بدأت بدراسة تفصيلية للموقع وتقييم الأضرار التي لحقت به، ثم وضع خطة عمل متكاملة لمعالجة المشكلات الهندسية والمعمارية. من أبرز الإجراءات التي تم اتخاذها إنشاء نظام رصد ومراقبة فعال لمنسوب المياه الجوفية، والذي أثبت نجاحه من خلال القياسات الدورية المستمرة. هذا النظام ساهم في التحكم في منسوب المياه ومنع وصولها إلى أساسات المباني الأثرية، مما أدى إلى استقرار الموقع وحمايته من المزيد من التدهور. بالإضافة إلى ذلك، تم تنفيذ أعمال ترميم وصيانة شاملة للمباني الأثرية المتضررة، باستخدام أحدث التقنيات والمواد المتوافقة مع طبيعة الموقع. هذه الأعمال شملت ترميم الجدران والأرضيات والأسقف، ومعالجة التشققات والتصدعات، وتدعيم الأساسات الضعيفة. كما تم الاهتمام بتطوير البنية التحتية للموقع، من خلال إنشاء شبكة صرف صحي حديثة، وتوفير مصادر الطاقة المتجددة، وتحسين شبكة الطرق والممرات الداخلية.

 

تقرير اليونسكو يشيد بالتقدم الملحوظ

تقرير بعثة الرصد التفاعلي المشتركة بين مركز التراث العالمي والمجلس الدولي للمعالم والمواقع (ICOMOS) لعام 2025، لعب دورًا حاسمًا في اتخاذ قرار رفع دير أبو مينا من قائمة التراث العالمي المعرض للخطر. التقرير أشاد بالتقدم الملحوظ الذي تحقق في أعمال الحفاظ والصون بالموقع، وأكد أن حالة الصون المطلوبة لإزالة الموقع من القائمة قد تحققت بالكامل. وأشار التقرير إلى أن الدولة المصرية قد نفذت جميع التوصيات المطلوبة من قبل اليونسكو في هذا الإطار، وأن الجهود المبذولة تستحق التقدير والثناء. هذا التقييم الإيجابي من قبل خبراء اليونسكو ساهم في إقناع لجنة التراث العالمي بأهمية رفع الموقع من القائمة، وإعطاء دفعة قوية للجهود المصرية في مجال حماية التراث الثقافي.

 

أهمية رفع دير أبو مينا من قائمة الخطر

رفع دير أبو مينا من قائمة التراث العالمي المعرض للخطر له أهمية كبيرة على عدة مستويات. أولًا، يعكس هذا القرار نجاح الدولة المصرية في الحفاظ على تراثها الثقافي وحمايته من المخاطر، ويثبت قدرتها على تنفيذ مشاريع ترميم وصيانة كبرى وفقًا للمعايير الدولية. ثانيًا، يعزز هذا الإنجاز مكانة مصر على الخريطة السياحية العالمية، ويجذب المزيد من السياح والزوار إلى الموقع، مما يساهم في تنمية الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل جديدة. ثالثًا، يشجع هذا القرار الدول الأخرى على بذل المزيد من الجهود للحفاظ على مواقع التراث العالمي الموجودة على أراضيها، وتبادل الخبرات والمعرفة في هذا المجال. رابعًا، يبعث هذا الإنجاز برسالة أمل وتفاؤل إلى المجتمع الدولي، ويؤكد أن التعاون والتنسيق بين الدول والمنظمات الدولية يمكن أن يحقق نتائج إيجابية في مجال حماية التراث الثقافي.

 

تطلعات مستقبلية لموقع دير أبو مينا

بعد رفع دير أبو مينا من قائمة التراث العالمي المعرض للخطر، تتطلع الدولة المصرية إلى تطوير الموقع وتحويله إلى مركز ثقافي وسياحي عالمي. من المتوقع أن يتم تنفيذ مشاريع جديدة لتطوير البنية التحتية للموقع، وإنشاء متاحف ومراكز زوار لعرض تاريخه وآثاره، وتنظيم فعاليات ثقافية وفنية لجذب المزيد من الزوار. كما سيتم الاهتمام بتدريب الكوادر المحلية على إدارة الموقع والحفاظ عليه، وضمان استدامته على المدى الطويل.

 

بالإضافة إلى ذلك، سيتم تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية والخبراء المتخصصين في مجال حماية التراث الثقافي، لتبادل الخبرات والمعرفة وتطوير أفضل الممارسات في هذا المجال. الهدف النهائي هو تحويل دير أبو مينا إلى نموذج يحتذى به في الحفاظ على التراث الثقافي وتنميته المستدامة، وإبراز أهميته التاريخية والدينية للعالم أجمع. إن رفع دير أبو مينا من قائمة التراث العالمي المعرض للخطر ليس نهاية المطاف، بل هو بداية لمرحلة جديدة من العمل والاجتهاد للحفاظ على هذا الكنز الثقافي للأجيال القادمة.