كشف التقرير الشهري الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن تباطؤ ملحوظ في وتيرة ارتفاع الأسعار في مصر خلال شهر يونيو 2025. فقد انخفض الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين لإجمالي الجمهورية إلى (258.1) نقطة، مسجلًا بذلك تراجعًا طفيفًا بنسبة (-0.1%) مقارنة بشهر مايو 2025. هذا التراجع، وإن كان محدودًا، يمثل مؤشرًا هامًا يستدعي التحليل المتعمق لفهم العوامل التي ساهمت فيه، وتأثيراته المحتملة على الاقتصاد المصري. يعتبر هذا التراجع الأول منذ ثلاثة أشهر، حيث بلغ معدل التضخم السنوي 14.4% في يونيو 2025، مقارنة بـ 16.5% في مايو 2025. هذا الانخفاض يعكس تحسنًا نسبيًا في القدرة الشرائية للمستهلكين، ويشير إلى فعالية الإجراءات المتخذة للسيطرة على التضخم.

 

أسباب تراجع معدل التضخم

 

أرجع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء هذا التراجع في معدل التضخم الشهري إلى عدة عوامل رئيسية، أبرزها انخفاض أسعار بعض السلع والخدمات الأساسية. فعلى سبيل المثال، شهدت مجموعة اللحوم والدواجن انخفاضًا ملحوظًا بنسبة (-3.8%)، وكذلك مجموعة الخضروات بنسبة (-1.0%). هذا الانخفاض في أسعار المواد الغذائية الأساسية ساهم بشكل كبير في تخفيف الضغط على ميزانية الأسر المصرية، خاصة محدودة الدخل. في المقابل، شهدت بعض المجموعات الأخرى ارتفاعًا في الأسعار، مثل مجموعة الحبوب والخبز بنسبة (0.3%)، ومجموعة الأسماك والمأكولات البحرية بنسبة (1.1%)، ومجموعة الألبان والجبن والبيض بنسبة (0.1%). ورغم هذا الارتفاع، إلا أن تأثيره لم يكن كافيًا لتعويض الانخفاض في أسعار المجموعات الأخرى، مما أدى في النهاية إلى تراجع معدل التضخم الشهري. كما ساهم في تراجع التضخم انخفاض أسعار مجموعة المياه المعدنية والغازية والعصائر الطبيعية بنسبة (0.7%)، ومجموعة الأقمشة بنسبة (1.2%).

 

التضخم السنوي وأداء القطاعات المختلفة

 

على الرغم من التراجع الشهري، لا يزال معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية عند مستوى مرتفع نسبيًا، حيث بلغ (14.4%) لشهر يونيو 2025، مقارنة بـ (16.5%) عن شهر مايو 2025. هذا يشير إلى أن جهود السيطرة على التضخم لا تزال في بدايتها، وأن هناك حاجة إلى مزيد من الإجراءات لتحقيق الاستقرار الكامل في الأسعار. وقد سجل قسم الطعام والمشروبات انخفاضًا قدره (-1.1%) بسبب انخفاض أسعار اللحوم والدواجن والخضروات، بينما سجل قسم الملابس والأحذية ارتفاعًا قدره (0.7%) بسبب ارتفاع أسعار الأقمشة والملابس الجاهزة والأحذية. كما سجل قسم المسكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود ارتفاعًا قدره (1.2%) بسبب ارتفاع أسعار الإيجار والكهرباء والغاز، وسجل قسم الأثاث والتجهيزات والمعدات المنزلية والصيانة ارتفاعًا قدره (0.4%) بسبب ارتفاع أسعار المفروشات والأجهزة المنزلية. هذه التباينات في أداء القطاعات المختلفة تعكس التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري في تحقيق التوازن بين العرض والطلب، والسيطرة على الضغوط التضخمية.

 

تأثير التضخم على الاقتصاد والمواطنين

 

يعتبر التضخم من أهم التحديات التي تواجه الاقتصادات في جميع أنحاء العالم، لما له من تأثيرات سلبية على القدرة الشرائية للمواطنين، وعلى الاستثمارات والنمو الاقتصادي. فارتفاع الأسعار يقلل من قيمة الدخول الحقيقية للأفراد، ويجعلهم غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية. كما أن التضخم يؤدي إلى حالة من عدم اليقين في الأسواق، مما يثبط الاستثمارات ويؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي. ولهذا السبب، يعتبر خفض مستويات التضخم أحد الأهداف الأساسية للسياسة النقدية التي يتبناها البنك المركزي في أي دولة بالعالم. فالبنك المركزي يسعى إلى تحقيق الاستقرار في الأسعار من خلال استخدام أدوات السياسة النقدية المختلفة، مثل رفع أو خفض أسعار الفائدة، والتحكم في حجم المعروض النقدي. ويعرف التضخم بأنه التغير في أسعار المستهلكين، وتحديدًا التغير في أسعار المجموعات السلعية الخاصة بالمستهلكين مثل الخضراوات والفاكهة، ويعني ارتفاعًا تصاعديًّا ومستمرًّا لمستوى الأسعار في الاقتصاد، نتيجة لانخفاض قيمة النقود أو بمعنى آخر، انخفاض القيمة الشرائية للعملة، لكنه يتعدى ذلك الدور لارتباطه بالفائدة التي تؤثر بدورها في معدلات الاقتراض من البنوك، وبالتالي معدلات الاستثمار وفرص التشغيل.

توقعات مستقبلية وتوصيات

بالنظر إلى التطورات الأخيرة في معدلات التضخم في مصر، يمكن القول أن هناك تحسنًا نسبيًا في الوضع الاقتصادي، ولكن لا يزال الطريق طويلاً لتحقيق الاستقرار الكامل في الأسعار. ويتوقع أن يستمر البنك المركزي المصري في اتخاذ الإجراءات اللازمة للسيطرة على التضخم، من خلال استخدام أدوات السياسة النقدية المختلفة. كما أن الحكومة المصرية مطالبة باتخاذ إجراءات إضافية لتحفيز الإنتاج المحلي، وزيادة الصادرات، وتخفيض الواردات، وذلك بهدف تقليل الاعتماد على العملة الأجنبية، وتخفيف الضغط على الأسعار. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومة أن تعمل على تحسين مناخ الاستثمار، وتشجيع القطاع الخاص على لعب دور أكبر في التنمية الاقتصادية. ومن الضروري أيضًا توفير شبكات أمان اجتماعي لحماية الفئات الأكثر ضعفًا من تأثيرات التضخم، من خلال تقديم الدعم المالي والعيني للأسر محدودة الدخل. إن تحقيق الاستقرار الاقتصادي في مصر يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف المعنية، من الحكومة والبنك المركزي والقطاع الخاص والمجتمع المدني، والعمل بروح الفريق الواحد لتحقيق المصلحة الوطنية العليا.