ثمة حيوانات متضررة من سمعتها، سواءً أكان ذلك بسبب مظهرها الصفيق الوقح، أو عاداتها الكريهة في النظافة الصحية، أو سلوكها الفجائي. وبالطبع، فقد تكْمن قواها الخارقة أيضًا في صفاتها المميزة. هذه السمعة السيئة تؤثر بشكل كبير على جهود الحفاظ عليها، حيث أن الأنواع التي تعتبر "غير جذابة" غالباً ما تتلقى تمويلاً أقل وجهود حماية أقل مقارنة بالحيوانات المحبوبة مثل الباندا أو الأسود. هذا التحيز في تخصيص الموارد يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على التنوع البيولوجي وصحة النظم الإيكولوجية.
النسر الأصلع: ضحية الصورة النمطية
لا شك أن النسر الأصلع من أكثر المخلوقات إثارةً للاشمئزاز على وجه الأرض. ففي بعض الثقافات، تُعد كلمة "نسر" بحد ذاتها إهانة؛ إذ هي توصيف للشخص الاستغلالي الجشع. هذه السمعة السيئة للنسور الصلعاء مفهومة إلى حد ما. فبدايةً، هي ليست جذابة ولا جديرة بالعطف، لا سيما بأجسادها المنحنية ورؤوسها الصلعاء وعيونها الصغيرة اللامعة والشبيهة بحبّات الخرز. كما أنها تُمضي أيامها في أكل الحيوانات النافقة، وتفعل ذلك بطريقة مثيرة للغثيان، عن طريق ولوجها إلى الجيفة من أجزائها الرخوة كالدبر أو الفم أو الأنف. "لا ريب في أن النسور الصلعاء تعاني مشكلة متعلقة بصورتها"، تقول "دارسي أوغادا"، المستكشفة لدى ناشيونال جيوغرافيك ومديرة برنامج إفريقيا لدى "مؤسسة الشاهين" غير الربحية المعنية بصون الطبيعة. وتستطرد قائلةً إن صورة طائر أصلع وهو يحشر منقاره في دبر ظبي إفريقي لن تكون أبدًا اختيارًا جذابًا لغلاف مجلة. هذا النفور الظاهري يخفي دورًا بيئيًا بالغ الأهمية. فالنسور، على الرغم من مظهرها غير الجذاب، تلعب دورًا حاسمًا في منع انتشار الأمراض عن طريق التخلص من الجيف المتعفنة. تخيل عالماً بدون هذه المنظفات الطبيعية؛ ستنتشر الأمراض بسرعة، مما يؤثر على صحة الإنسان والحيوان على حد سواء.
عواقب وخيمة لإهمال "الأنواع المغمورة"
ينتج عن مشكلة "العلاقات العامة" لهذه الطيور عواقب وخيمة على أرض الواقع. فهذه المشكلة تجعلنا نتجاهل سلوك هذه النسور المدهش ودورها الحيوي في منظومتنا البيئية. فمن دون نسور، تحدث أمور سيئة. إذ تؤدي هذه الطيور دورَ منظفات للطبيعة بكنسها الجيف المتعفنة ومنعها انتشار الأمراض. لِننظر مثلًا إلى وضع النسور الصلعاء المأساوي في الهند. فمنذ ثلاثة عقود، كادت أن تختفي بعد أن تسممت الملايين منها عن طريق الخطأ بدواء يُستخدم لعلاج الأبقار، والذي تَبينَ أنه سامّ للنسور. ونتيجةً لذلك، امتلأت الأرياف بجيّف حيوانات متعفنة مليئة بالجراثيم، تلوث الأنهار ومياه الشرب، كما زادت من أعداد الكلاب الوحشية الحاملة لداء الكلب. وتفيد دراسة حديثة نُشرت في "المجلة الاقتصادية الأميركية" أن انخفاض أعداد النسور اقترن بأكثر من نصف مليون حالة وفاة بشرية زائدة في عيّنة سكانية بالهند بين عامي 2000 و2005. هذه الكارثة الصحية العامة تسلط الضوء على أهمية الحفاظ على جميع الأنواع، بغض النظر عن جاذبيتها الظاهرية. إن تجاهل دور الأنواع "غير الجذابة" في النظم الإيكولوجية يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة وغير متوقعة.
التحيز في تمويل جهود صون الطبيعة
في عالم مثالي، من المفروض أن تكون مشكلة اختفاء النسور الصلعاء أولويةً لدى حُماة الطبيعة. لكنها ليست كذلك. فحصة الأسد من أموال صون الطبيعة على مستوى العالم تذهب إلى عدد قليل من الأنواع الرائدة، وهي في العادة تلك الحيوانات الكبيرة مثل الكركدن والفيل والغوريلا؛ "أما البقية فتحصل على الفتات"، على حد تعبير أوغادا. والحيوانات التي تتصارع على هذا الفتات هي التي يمكن تسميتها بالأنواع المغمورة، أو لنَقُل قائمة المنبوذين. ونخصّ بالذكر هنا النسور الصلعاء وجرذان الخلد العاري، وقرود الململة ذات الأنوف المتدلية. إنها ليست جميلة. ولا مزركشة. وعادةً ما تقوم بأشياء مقززة مثل أكل البراز، وتلك عادة جرذ الخلد العاري. إنها النقيض التام لنجوم عالم صون الطبيعة، كالأسود والباندا والبطاريق والزرافات، والتي تتسيَّد الأفلام الوثائقية عن الطبيعة، وتَظهر على علب حبوب الإفطار، وتلعب أدوار البطولة في أفلام الرسوم المتحركة. ويُطلق حُماة الطبيعة على هذا الوحيش المميز "الحيوانات الضخمة الجذابة" أو "الأنواع الرائدة". وتُظهر دراسات عديدة أنها تحظى بحصة تبرعات منح. هذا التحيز في التمويل يمثل تحديًا كبيرًا لجهود الحفاظ على التنوع البيولوجي. من الضروري إعادة تقييم أولوياتنا وتخصيص الموارد بشكل أكثر إنصافًا لضمان حماية جميع الأنواع، وليس فقط تلك التي تحظى بشعبية.
تغيير النظرة: نحو تقدير أعمق للتنوع البيولوجي
لكي نحدث تغييرًا حقيقيًا، يجب علينا تغيير نظرتنا إلى الحيوانات "غير الجذابة". يجب أن ندرك أن الجمال الحقيقي يكمن في الدور الذي تلعبه هذه الحيوانات في الحفاظ على توازن النظم الإيكولوجية. يجب أن نتعلم تقدير وظائفها البيئية الفريدة وأهميتها في الحفاظ على صحة كوكبنا. يمكننا البدء بتثقيف أنفسنا والآخرين حول أهمية هذه الأنواع المغمورة. يمكننا دعم المنظمات التي تعمل على حماية هذه الحيوانات وموائلها. ويمكننا حتى تغيير الطريقة التي نتحدث بها عن هذه الحيوانات، باستخدام لغة أكثر إيجابية واحترامًا. من خلال تغيير نظرتنا، يمكننا المساعدة في ضمان حصول جميع الأنواع على فرصة للنجاة والازدهار. **إن الحفاظ على التنوع البيولوجي ليس مجرد واجب أخلاقي، بل هو ضرورة حتمية لضمان مستقبل صحي ومستدام لكوكبنا.**
```
---