الحج والعمرة هما من أعظم الفرائض والشعائر في الإسلام، وهما تحقيق لركن من أركان الدين. يسعى المسلمون من جميع أنحاء العالم لأداء هذه المناسك لما فيها من فضل عظيم وثواب جزيل. ولكن، رحمة الله واسعة، وقد جعل الله لنا أعمالاً أخرى في متناول أيدينا، إذا أخلصنا النية فيها، فإنها تعادل في الأجر ثواب الحج والعمرة. هذه الأعمال تمثل فرصًا ذهبية لنيل الأجر العظيم دون الحاجة إلى تحمل مشقة السفر وتكاليفه الباهظة. لنستعرض بعضًا من هذه الأعمال التي قد نغفل عنها في زحمة حياتنا اليومية.
بر الوالدين: جنة الدنيا والآخرة
بر الوالدين هو من أعظم القربات إلى الله تعالى، وقد قرنه الله تعالى بعبادته في القرآن الكريم. عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وصى رجلاً ببر أمه وقال له: "أنت حاج ومعتمر ومجاهد"، ويعني: إذا برها. فبر الوالدين ليس فقط طاعة لأوامرهما وتلبية حاجاتهما، بل هو أيضًا إدخال السرور على قلبيهما والحرص على راحتهما. إن رضا الوالدين هو مفتاح للجنة، وهو سبب للتوفيق والسداد في الدنيا والآخرة. فكم من شخص فتحت له أبواب الرزق والتيسير ببركة دعاء والديه.
واجبات الوظيفة والوطن والدين والناس: حجة دائمة
أداء واجبات الوظيفة بإخلاص وتفان، والقيام بمسؤولياتنا تجاه الوطن والدين والناس، هو نوع آخر من أنواع الحج المبرور. فالإخلاص في العمل، والأمانة في التعامل، والصدق في القول، كلها صفات حميدة تجعل من صاحبها قدوة حسنة في المجتمع. والقيام بواجباتنا تجاه الوطن، من خلال الحفاظ على أمنه واستقراره، والمساهمة في تنميته وازدهاره، هو أيضًا من الأعمال التي يرضى عنها الله تعالى. وكذلك، نصرة الدين والدفاع عنه، والحرص على نشر قيمه ومبادئه، هو من أعظم الجهاد في سبيل الله. ومساعدة الناس وقضاء حوائجهم، والتخفيف عنهم، هو من أفضل الأعمال التي تقربنا إلى الله تعالى. فكل هذه الواجبات، إذا أديت بإخلاص وصدق، فإنها تعادل في الأجر ثواب الحج والعمرة.
فضائل الصلاة والذكر: كنوز لا تفنى
الصلاة هي عمود الدين، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام. وقد جعل الله تعالى فيها من الفضائل والبركات ما لا يحصى. فصلاة العشاء في جماعة تعدل حجة، وصلاة الفجر في جماعة تعدل عمرة. وصلاة الفجر في جماعة ثم الجلوس في المصلى لذكر الله تعالى حتى طلوع الشمس ثم صلاة ركعتين، تعدل أجر حجة وعمرة تامة. وحتى صلاة الجمعة تعدل حجة تطوع. والخروج إلى المسجد لأداء صلاة مفروضة يعدل أجر الحاج المحرم، والخروج لصلاة الضحى يعدل أجر المعتمر. والتسبيح والتحميد والتكبير بعد الصلوات، هي أيضًا من الأعمال التي تعادل في الأجر ثواب الحج والعمرة. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب الدثور من الأموال بالدرجات العلى والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أحدثكم بمال لو أخذتم به لحقتم من سبقكم، ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله: تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين".
العمرة في رمضان: حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم
العمرة في رمضان لها فضل عظيم وثواب جزيل، وقد ورد في الحديث الشريف أنها تعدل حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم. فات بعض النساء الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما قدم سألته عما يجزئ من تلك الحجة قال: "اعتمري في رمضان فإن عمرة في رمضان تعدل حجة أو حجة معي". فمن لم يستطع أداء الحج، فليحرص على أداء العمرة في رمضان، لينال هذا الفضل العظيم والأجر الجزيل. فالعمرة في رمضان هي فرصة عظيمة لتجديد الإيمان، وتطهير القلب، والتقرب إلى الله تعالى. إنها فرصة لزيارة بيت الله الحرام، والطواف بالكعبة المشرفة، والسعي بين الصفا والمروة، وشرب ماء زمزم المبارك. إنها فرصة للدعاء والتضرع إلى الله تعالى، والاستغفار من الذنوب والخطايا. إنها فرصة لنيل رضا الله تعالى والفوز بالجنة.