أكدت دار الإفتاء أن الله تعالى قد حرّم الربا لأسباب عديدة ومتنوعة، تمس جوهر العلاقات الإنسانية والاقتصادية في المجتمع. أحد أهم هذه الأسباب هو أن الربا يقضي على روح التعاون بين الناس، تلك الروح التي تعتبر أساساً متيناً لأي مجتمع سليم ومتماسك. عندما يسود الربا، يصبح التعامل بين الأفراد قائماً على الاستغلال والمصلحة الشخصية البحتة، بدلاً من التعاون والتكافل الذي يحقق المصلحة العامة للجميع. فالشخص الذي يقرض بالربا لا يهدف إلى مساعدة المحتاج أو دعمه في أوقات الشدة، بل يسعى إلى تحقيق أقصى ربح ممكن من حاجته، وهذا يتنافى مع قيم الإيثار والتضحية التي حث عليها الإسلام.

 

الربا يولد الأحقاد والعداوات

من الأسباب الأخرى لتحريم الربا أنه يولّد الأحقاد والعداوات بين أفراد المجتمع. فالشخص الذي يضطر إلى الاقتراض بالربا يشعر بالظلم والقهر، خاصة إذا تراكمت عليه الديون وعجز عن سدادها. هذا الشعور بالظلم يمكن أن يتحول إلى حقد وكراهية تجاه المقرض، مما يؤدي إلى تفكك الروابط الاجتماعية وانتشار الفتن والنزاعات. على العكس من ذلك، فإن القرض الحسن الذي لا يشترط فيه الربا يعزز المحبة والأخوة بين الناس، ويساهم في بناء مجتمع متراحم ومتعاون. فالقرض الحسن يعتبر نوعاً من الإحسان والمعروف الذي يثمر الخير والبركة في الدنيا والآخرة.

 

تأثير الربا على توزيع الثروة

كما أن الربا يؤدي إلى وجود طبقة من الجشعين الذين قست قلوبهم في الأمة، والذين تكثر الأموال في أيديهم دون جهد منهم. فالربا يسمح لفئة قليلة من الناس بتجميع الثروات الطائلة دون أن يبذلوا أي جهد حقيقي في إنتاجها أو تنميتها. هؤلاء الأشخاص يعيشون على حساب معاناة الآخرين، ويستغلون حاجتهم وضعفهم لتحقيق مكاسب شخصية. هذا التفاوت الكبير في توزيع الثروة يؤدي إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، ويخلق حالة من عدم الاستقرار والظلم في المجتمع. فالإسلام يحرص على تحقيق العدالة في توزيع الثروة، ويشجع على العمل والإنتاج والتجارة المشروعة التي تعود بالنفع على الجميع.

 

الربا والاستعمار الحديث

أشارت دار الإفتاء إلى أن التعامل بالربا في عصرنا الحديث أدّى إلى استعمار بعض الدول الغنية لبعض الدول الفقيرة. فالدول الغنية تستخدم الربا كأداة للسيطرة على اقتصاديات الدول الفقيرة، وذلك من خلال تقديم القروض المشروطة التي تثقل كاهل هذه الدول بالديون وتجعلها تابعة لها. هذه الديون تستنزف موارد الدول الفقيرة وتعيق تقدمها وتطورها، وتجعلها عرضة للاستغلال والتدخل في شؤونها الداخلية. فالإسلام يحرم الاستغلال والاستعمار بجميع أشكاله، ويدعو إلى التعاون والتكافل بين الدول على أساس العدل والمساواة.

 

بدائل للربا في الإسلام

يقدم الإسلام بدائل شرعية للربا، مثل المرابحة والمضاربة والمشاركة، والتي تتيح للأفراد والمؤسسات تحقيق الأرباح بطرق مشروعة ومستدامة. هذه البدائل تعتمد على مبادئ المشاركة في المخاطر وتقاسم الأرباح، مما يعزز العدالة والشفافية في التعاملات المالية. كما أن الإسلام يشجع على الزكاة والصدقات، والتي تساهم في إعادة توزيع الثروة وتخفيف حدة الفقر والحاجة في المجتمع. فالإسلام نظام اقتصادي واجتماعي شامل يهدف إلى تحقيق الرفاهية والسعادة للجميع، ويحرص على بناء مجتمع متكافل ومتراحم يسوده العدل والسلام.