مسألة المحرمات في الزواج من المسائل الهامة التي توليها الشريعة الإسلامية اهتماماً بالغاً، وذلك لما يترتب عليها من آثار عظيمة تتعلق باستقرار الأسر والمجتمعات. ومن بين هذه المسائل، يثار التساؤل حول حكم الزواج من أم زوجة الأب، وهل تدخل ضمن دائرة المحرمات أم لا. هذا السؤال يستدعي البحث والتدقيق في الأدلة الشرعية والنصوص الفقهية للوصول إلى حكم واضح ومحدد.

بدايةً، يجب التأكيد على أن الأصل في الزواج هو الإباحة، ولا يحرم منه إلا ما ورد النص بتحريمه. وقد فصلت الشريعة الإسلامية المحرمات من النساء تفصيلاً دقيقاً، سواء كان التحريم بسبب القرابة (كالأم والأخت والعمة والخالة)، أو بسبب المصاهرة (كأم الزوجة وزوجة الابن)، أو بسبب الرضاع. وعند النظر إلى مسألة أم زوجة الأب، نجد أنها لا تدخل ضمن المحرمات بالنسب، إذ لا توجد قرابة مباشرة بين الشخص وبين أم زوجة أبيه. ولكن، هل تدخل ضمن المحرمات بالمصاهرة؟ هذا ما يحتاج إلى تفصيل.

المحرمات بالمصاهرة هن زوجة الأب، وزوجة الابن، وأم الزوجة، وبنت الزوجة (بشروط). وقد ورد النص بتحريم زوجة الأب وزوجة الابن في قوله تعالى: "ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا" (النساء: 22)، وقوله تعالى: "وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم" (النساء: 23). أما أم الزوجة، فقد ورد النص بتحريمها بمجرد العقد على ابنتها، سواء دخل بها الزوج أم لم يدخل، وذلك لقوله تعالى: "وأمهات نسائكم" (النساء: 23). وبنت الزوجة تحرم بشرط الدخول بالأم، فإذا لم يدخل الزوج بأمها، جاز له الزواج من ابنتها بعد طلاق الأم أو وفاتها.

بالعودة إلى مسألة أم زوجة الأب، نجد أنها لا تنطبق عليها شروط التحريم بالمصاهرة المذكورة في الآيات القرآنية. فهي ليست زوجة أب، ولا زوجة ابن، ولا أم زوجة مباشرة. وبالتالي، فإن الأصل هو عدم التحريم، ما لم يوجد مانع آخر. ومع ذلك، يجب التنبيه إلى أن بعض الفقهاء قد ذهبوا إلى القول بالكراهة في الزواج من أم زوجة الأب، وذلك لما قد يترتب على ذلك من حرج اجتماعي أو إشكال في العلاقات الأسرية. ولكن، القول بالكراهة لا يعني التحريم، بل هو مجرد تنبيه إلى تجنب ما قد يسبب مشاكل أو فتن.

وفي الختام، يمكن القول بأن الزواج من أم زوجة الأب جائز من حيث الأصل الشرعي، لعدم وجود نص صريح يحرمه. ومع ذلك، ينبغي مراعاة الأعراف والتقاليد الاجتماعية، وتجنب ما قد يسبب فتنة أو إحراجاً. والأولى استشارة أهل العلم والاختصاص في مثل هذه المسائل، لأخذ الرأي الشرعي المستنير، والعمل بما يقتضيه من حكمة وروية، تحقيقاً لمقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ الأسر والمجتمعات.