تتزايد الأصوات المطالبة بإجراء تعديلات جذرية على التشريعات المصرية المتعلقة بمكافحة الغش، خاصةً في ظل التطورات التكنولوجية السريعة والأساليب الاحتيالية المستحدثة التي تتجاوز قدرة القوانين الحالية على مواجهتها. وفي هذا السياق، يبرز تصريح الخبير القانوني بهاء أبو شقة، الذي يؤكد أن قانون الغش الحالي يعود إلى عام 1941، وهو ما يجعله غير متناسب مع الواقع المعاصر واحتياجات المجتمع. هذا التصريح يمثل دعوة صريحة إلى ضرورة إطلاق ثورة تشريعية شاملة تهدف إلى تحديث وتطوير المنظومة القانونية بما يضمن حماية المستهلك والاقتصاد الوطني من مخاطر الغش والتلاعب.
إن قانون الغش الصادر في عام 1941، ورغم أهميته في فترة صدوره، يعاني من قصور واضح في العديد من الجوانب. فهو يركز بشكل أساسي على الأساليب التقليدية للغش التجاري، مثل التلاعب في الأسعار أو تقديم منتجات مقلدة. بينما يغفل القانون عن التعامل مع الأشكال الحديثة للغش، مثل الغش الإلكتروني، والاحتيال عبر الإنترنت، والتلاعب بالبيانات، وهي جرائم أصبحت أكثر انتشارًا في العصر الرقمي. بالإضافة إلى ذلك، فإن العقوبات المنصوص عليها في القانون غالبًا ما تكون غير رادعة، ولا تتناسب مع حجم الضرر الذي يلحقه الغش بالمستهلكين والاقتصاد. لذلك، فإن تحديث القانون وتضمينه أحكامًا جديدة تتناول هذه الأشكال المستحدثة من الغش، وتشديد العقوبات على المخالفين، أمر ضروري لضمان فاعلية القانون في تحقيق أهدافه.
إن الحاجة إلى ثورة تشريعية في مجال مكافحة الغش لا تقتصر فقط على تحديث النصوص القانونية، بل تتعدى ذلك إلى تطوير آليات الرقابة والتفتيش، وتفعيل دور الأجهزة الرقابية في الكشف عن جرائم الغش والتصدي لها. يجب أن يتم تزويد هذه الأجهزة بالتقنيات الحديثة والأدوات اللازمة لتمكينها من مراقبة الأسواق ومتابعة الأنشطة التجارية المشبوهة، والكشف عن عمليات الغش قبل وقوعها. كما يجب أن يتم تدريب وتأهيل الكوادر العاملة في هذه الأجهزة على أحدث الأساليب والتقنيات المستخدمة في مكافحة الغش، وتوعيتهم بأهمية دورهم في حماية المجتمع والاقتصاد. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتم تعزيز التعاون بين الأجهزة الرقابية المختلفة، وتبادل المعلومات والخبرات فيما بينها، لضمان تحقيق التكامل والتنسيق في جهود مكافحة الغش.
إن ثورة تشريعية في مجال مكافحة الغش يجب أن تتضمن أيضًا تعزيز دور المستهلك في حماية نفسه من الغش. يجب أن يتم توعية المستهلك بحقوقه وواجباته، وتعريفه بالأساليب الاحتيالية التي يستخدمها المحتالون، وتزويده بالأدوات اللازمة لتمكينه من اكتشاف الغش والإبلاغ عنه. يمكن تحقيق ذلك من خلال تنظيم حملات توعية مكثفة، ونشر المعلومات والنصائح عبر وسائل الإعلام المختلفة، وإنشاء خطوط ساخنة لتلقي شكاوى المستهلكين والتعامل معها بفاعلية. كما يجب أن يتم تفعيل دور جمعيات حماية المستهلك، ودعمها لتمكينها من القيام بدورها في الدفاع عن حقوق المستهلكين ومساعدتهم في الحصول على التعويضات المناسبة في حالة تعرضهم للغش.
ختامًا، إن تحديث قانون الغش وتطوير المنظومة القانونية لمكافحة الغش، يمثل ضرورة ملحة لحماية المستهلك والاقتصاد الوطني من مخاطر الغش والتلاعب. إن ثورة تشريعية شاملة تتضمن تحديث النصوص القانونية، وتطوير آليات الرقابة والتفتيش، وتعزيز دور المستهلك، وتفعيل دور الأجهزة الرقابية، هي السبيل الأمثل لتحقيق هذا الهدف. إن تحقيق هذه الثورة التشريعية يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف المعنية، من الحكومة والبرلمان والأجهزة الرقابية وجمعيات حماية المستهلك والمجتمع المدني، للعمل معًا من أجل بناء منظومة قانونية فعالة وقادرة على مواجهة تحديات العصر وحماية حقوق المستهلكين والاقتصاد الوطني. يجب أن يكون الهدف هو بناء نظام عدالة يضمن حقوق الجميع ويحمي المجتمع من مخاطر الغش.