النعام، هذا الطائر الأكبر والأثقل على وجه الأرض، ليس مجرد كائن حي فريد من نوعه، بل هو مورد اقتصادي ثمين ومصدر متعدد المنتجات يحمل في طياته إمكانات هائلة لمصر. يتميز النعام بقدرته الفائقة على التكيف مع البيئات القاسية، سواء كانت صحراوية أو شبه صحراوية، مما يجعله مناسبًا تمامًا للظروف المناخية في العديد من المناطق المصرية. يُطلق عليه أحيانًا لقب "سفينة الصحراء" ليس فقط لضخامته وسرعته المذهلة التي تتجاوز 70 كيلومترًا في الساعة، بل أيضًا لكونه موردًا اقتصاديًا متعدد الجوانب. فمن لحومه الصحية الغنية بالبروتين وقليلة الكوليسترول، إلى ريشه المطلوب عالميًا في صناعات الموضة والديكور، وجلده الفاخر المستخدم في صناعة المنتجات الجلدية الراقية، يمثل النعام ثروة حقيقية تنتظر الاكتشاف والاستثمار الأمثل في مصر.

 

منتجات النعام وقيمتها الاقتصادية المتنوعة

تتجاوز قيمة النعام مجرد كونه مصدرًا للحوم. فكل جزء من هذا الطائر الضخم يحمل قيمة اقتصادية مضافة، مما يجعله استثمارًا متكاملًا. ريش النعام، على سبيل المثال، يستخدم على نطاق واسع في صناعات متنوعة مثل صناعة المنفضات، الوسائد، والملابس الفاخرة، بالإضافة إلى تزيين المنازل وكوش الأفراح. وقد شهد سوق الريش المحلي في مصر انتعاشًا ملحوظًا بفضل دعم وزارة الزراعة ووقف الاستيراد. أما جلد النعام، فيُعتبر من أغلى وأجود أنواع الجلود عالميًا. يمكن لطائر بوزن 100 كجم (بعمر 10-12 شهرًا) أن ينتج حوالي 14 إلى 16 قدمًا من الجلد، الجزء الأكثر قيمة هو جلد الظهر الذي يحتوي على بصيلات الريش المميزة، والمرغوب في صناعة الحقائب والأحزمة والمحافظ الفاخرة، كما أن "قصبة الساق" تعد من أندر وأغلى أجزاء الجلد، وتستخدم في صناعة المحافظ والأحذية الفاخرة جدًا. جلد النعام الخام من المزارع يتراوح سعره حوالي 250 جنيهًا، بينما يمكن للجلد المدبوغ جيدًا أن يُباع بين 400 و 500 جنيه للقدم الواحد، مما يضاعف قيمته أربعة أو خمسة أضعاف.

 

لحوم النعام ومشتقاته الدهنية: فوائد صحية وقيمة غذائية عالية

يحظى لحم النعام بأهمية قصوى للمستهلكين، خاصة لمن يعانون من مشاكل صحية في عضلة القلب، وذلك لاحتوائه على نسبة ضئيلة جدًا من الكوليسترول (0.05%). كما يتميز بنسبة بروتين أعلى (24%) مقارنة باللحم البقري (20-21%)، بالإضافة إلى مستويات أعلى من الحديد والفيتامينات والمعادن. هذا يجعل لحم النعام خيارًا صحيًا ومغذيًا للغاية. بالإضافة إلى اللحوم، يمكن الاستفادة من دهون النعام التي تترسب في مناطق محددة ويمكن فصلها بسهولة للاستفادة منها في تصنيع منتجات دهنية مثل الكريمات، الشامبوهات، وكريمات المفاصل والبشرة والشعر. وقد حصلت بالفعل شركات مصرية على موافقة وزارة الصحة لطرح منتجات مشتقة من دهن النعام، وهناك فرصة كبيرة للتوسع في هذا المجال كما تفعل دول أخرى تنتج ما يصل إلى 25-30 منتجًا من دهن النعام.

 

الأحشاء الداخلية للنعام: قيمة اقتصادية إضافية

لا تتوقف القيمة الاقتصادية للنعام عند اللحوم والجلد والريش، بل تمتد لتشمل أحشائه الداخلية. فالقلب، الذي يزن حوالي 800 جرام، تبلغ قيمته تقريبًا 240 جنيهًا (بسعر 300 جنيه/كجم). أما الكبد، فيزن حوالي 1.5 كيلوجرام وله نفس سعر اللحوم، مما يدر حوالي 525 جنيهًا. وتعتبر القانصة كبيرة الحجم، وتزن حوالي 1.5 كيلوجرام، بقيمة حوالي 400 جنيه (بسعر 200 جنيه/كجم). هذه الأرقام تؤكد أن كل جزء من النعام يحمل قيمة اقتصادية يمكن استغلالها لتحقيق أقصى استفادة من هذا المورد الطبيعي.

 

آفاق وتحديات صناعة النعام في مصر: نحو مستقبل واعد

على الرغم من الفوائد العديدة لتربية النعام، تواجه هذه الصناعة بعض التحديات مثل الحاجة إلى رأس مال أولي، واكتساب الخبرة في الرعاية والتعامل، بالإضافة إلى التحديات المتعلقة بتسويق المنتجات. ومع ذلك، ومع تزايد الوعي بفوائدها الصحية والاقتصادية، يزداد الإقبال على منتجات النعام، مما يفتح آفاقًا واسعة للمستقبل. هذه الصناعة لديها القدرة على المساهمة بشكل كبير في تعزيز الأمن الغذائي، توفير فرص عمل جديدة، ودعم الاقتصاد الوطني، خاصة في مصر التي تتمتع ببيئة مناسبة وخبراء متزايدين في هذا المجال. باختصار، النعام ليس مجرد كائن حي ضخم يعيش في الصحراء، بل هو ثروة طبيعية واقتصادية كامنة، تحمل وعدًا كبيرًا للمستثمرين والاقتصادات الوطنية التي تسعى لتحقيق أقصى استفادة من إمكاناته المتنوعة.