في لحظات تسبق الرحيل، يصبح كل ما نكتبه أكثر عمقًا، وأكثر تأثيرًا، الكلمات تكتسب وزنًا جديدًا، والنظرات تحمل معاني أعمق، وقبل ساعتين من رحيله، اختار أحمد عامر منصة فيسبوك ليشارك آخر ما يجول في خاطره، لحظات الوداع التي تسبق الانطلاق نحو وجهة غير معلومة لنا، ولكنها بالتأكيد تحمل في طياتها جزءًا من روحه، ربما كانت كلمات بسيطة، ربما كانت دعوة، أو ربما كانت مجرد نظرة عابرة على ذكريات مضت، لكنها بالتأكيد كانت تعبر عن لحظة فارقة في حياته، لحظة تختزل كل ما مر به وكل ما سيأتي، فيسبوك الذي أصبح دفترًا مفتوحًا لحياة الكثيرين، استقبل آخر كلمات أحمد، لتكون شاهدًا على لحظة الوداع الأخيرة قبل الرحيل.

لا نعلم تحديدًا ما الذي كتبه أحمد، فالنص الأصلي غير متوفر لدينا، ولكن يمكننا أن نتخيل، من خلال فهمنا لطبيعة اللحظات الأخيرة، ما الذي قد يدور في ذهن شخص يستعد للرحيل. ربما كانت رسالة شكر وعرفان لكل من ساندوه في حياته، لكل من قدم له يد العون، ولكل من شاركه لحظات الفرح والحزن، ربما كانت دعوة للجميع بالتسامح والمحبة، بالتخلي عن الضغائن والأحقاد، والتركيز على بناء علاقات إنسانية قوية ومتينة، وربما كانت مجرد كلمات بسيطة تعبر عن حبه لأهله وأصدقائه، وتأكيده على أن ذكراه ستبقى حية في قلوبهم، مهما كانت الكلمات، فإنها تحمل في طياتها قوة الوداع، وقوة الاعتراف بأهمية اللحظة، وقوة التعبير عن المشاعر الصادقة.

إن لحظات الوداع تحمل في طياتها الكثير من الدروس والعبر، تعلمنا أن الحياة قصيرة، وأن كل لحظة فيها ثمينة، وأن علينا أن نقدر كل من حولنا، وأن نعبر عن مشاعرنا بصدق وصراحة، تعلمنا أن لا نؤجل أحلامنا وطموحاتنا، وأن نسعى لتحقيقها بكل ما أوتينا من قوة، وأن لا ندع الخوف أو التردد يسيطر علينا، تعلمنا أن نسامح أنفسنا ونسامح الآخرين، وأن نتخلى عن الماضي بكل ما فيه من أخطاء وآلام، وأن نركز على الحاضر والمستقبل، تعلمنا أن نحب الحياة بكل ما فيها من تحديات وصعوبات، وأن نؤمن بأن الغد سيكون أفضل، إن كلمات أحمد الأخيرة على فيسبوك، حتى وإن لم نكن نعرفها بالتحديد، تذكرنا بكل هذه الدروس والعبر، وتدعونا إلى التأمل والتفكير في حياتنا وقيمنا.

فيسبوك، بما يمثله من فضاء افتراضي واسع، أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، نتبادل فيه الأخبار والمعلومات، ونشارك فيه لحظات الفرح والحزن، ونعبر فيه عن آرائنا وأفكارنا، ولكن في بعض الأحيان، يتحول فيسبوك إلى منصة للوداع، إلى مكان نترك فيه آخر كلماتنا قبل الرحيل، كلمات تحمل في طياتها قوة الوداع، وقوة الاعتراف بأهمية اللحظة، وقوة التعبير عن المشاعر الصادقة، كلمات تبقى شاهدة على لحظة فارقة في حياتنا، لحظة تختزل كل ما مر بنا وكل ما سيأتي، إن كلمات أحمد الأخيرة على فيسبوك هي مثال على ذلك، مثال على كيف يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تصبح جزءًا من لحظاتنا الأخيرة، وأن تساعدنا على التواصل مع من نحب قبل الرحيل.

رحيل أحمد عامر يترك في قلوبنا حزنًا عميقًا، ولكن كلماته الأخيرة على فيسبوك تبقى لنا ذكرى طيبة، تذكرنا بأهمية الحياة، وبأهمية التواصل مع من نحب، وبأهمية التعبير عن مشاعرنا بصدق وصراحة، فلنتذكر أحمد بكل خير، ولنتعلم من كلماته الأخيرة، ولنجعل حياتنا أكثر قيمة ومعنى، ولنتذكر دائمًا أن كل لحظة هي فرصة للتعبير عن حبنا وتقديرنا لمن حولنا، وأن لا نؤجل أي كلمة طيبة أو أي عمل صالح، رحم الله أحمد عامر، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان، ونسأل الله أن يجعل كلماته الأخيرة على فيسبوك شفيعة له يوم القيامة.