تُعد الشراكة بين وزارة التعليم والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي ("سدايا") ركيزة أساسية في تطوير منظومة التعليم في المملكة العربية السعودية، وتمكينها من مواكبة التطورات العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي. هذه الشراكة لم تقتصر على تبادل الخبرات والمعرفة، بل تجسدت في مبادرات ومشاريع ملموسة أحدثت نقلة نوعية في العملية التعليمية، وساهمت في بناء جيل قادر على التعامل مع تحديات المستقبل. من أبرز هذه المبادرات، إطلاق مبادرة مليون سعودي للذكاء الاصطناعي "سماي" بالشراكة مع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، والتي أثمرت عن تمكين أكثر من 334 ألف مواطن ومواطنة من الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يعكس التزام المملكة بتعزيز مهارات وقدرات كوادرها الوطنية في هذا المجال الحيوي. هذه المبادرة ليست مجرد برنامج تدريبي، بل هي استثمار استراتيجي في رأس المال البشري، يهدف إلى تحويل المملكة إلى مركز إقليمي وعالمي للذكاء الاصطناعي.

 

تأسيس مركز التميز في التعليم: نحو مأسسة واستدامة المبادرات التعليمية

 

تُعتبر الشراكة مع وزارة التعليم أساسًا حيويًا أثمرت في تأسيس مركز التميز في التعليم، الذي يهدف إلى مأسسة العمل واستدامة المبادرات الداعمة لقطاع التعليم، بما يتوافق مع أحدث التقنيات، ويستغل الذكاء الاصطناعي لدعم وتطوير العملية التعليمية. يركز المركز على دمج التقنيات الرقمية مع المناهج الدراسية، وتنمية القدرات التعليمية بشكل مستمر، ليواكب التحديات التعليمية الحديثة ويخلق بيئة محفزة للإبداع والابتكار بين الطلاب والمعلمين. هذا المركز ليس مجرد مبنى أو هيكل تنظيمي، بل هو منصة متكاملة تجمع بين الخبراء والمتخصصين والموارد اللازمة لتحقيق رؤية طموحة للتعليم في المملكة. من خلال مركز التميز، يتم تطوير وتنفيذ برامج تدريبية متخصصة للمعلمين، وتصميم مناهج دراسية تفاعلية، واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتقييم أداء الطلاب وتقديم الدعم الفردي لهم.

 

تعزيز بيئة تعليمية مدعومة بالذكاء الاصطناعي: الأولمبياد الوطني للبرمجة والذكاء الاصطناعي "مسابقة أذكى"

 

تُبرز الشراكة الاستراتيجية بين “سدايا” ووزارة التعليم دور الذكاء الاصطناعي في بناء بيئة تعليمية متطورة، تهيئ الطلاب للمنافسة العالمية وتعزز القدرات التقنية الوطنية. ساهمت هذه الشراكة في إطلاق الأولمبياد الوطني للبرمجة والذكاء الاصطناعي، “مسابقة أذكى”، التي شارك فيها أكثر من 260 ألف طالب وطالبة، ما يعكس توجه المملكة نحو تمكين جيل يواكب ثورة البيانات والتقنيات الحديثة، ويعزز من فرص الابتكار وطرح الحلول الذكية للمشكلات المعاصرة في التعليم والاقتصاد. هذه المسابقة ليست مجرد فعالية تنافسية، بل هي فرصة للطلاب لاكتشاف مواهبهم وقدراتهم في مجال البرمجة والذكاء الاصطناعي، وتطوير مهاراتهم في حل المشكلات والتفكير النقدي. من خلال المشاركة في المسابقة، يتعلم الطلاب كيفية العمل كفريق، وكيفية التواصل الفعال، وكيفية تقديم أفكارهم بطريقة مقنعة.

 

منصة "إحسان": دعم المجال التعليمي وتعزيز العدالة التعليمية

 

تلعب المنصة الوطنية للعمل الخيري “إحسان” دورًا محوريًا في دعم المجال التعليمي بالشراكة مع وزارة التعليم، حيث تجاوزت تبرعاتها 12 مليار ريال خلال أربع سنوات، ووفرت أكثر من 2000 فرصة تعليمية، وتمويل مشاريع تعليمية متخصصة بقيمة تجاوزت 450 مليون ريال استفاد منها أكثر من 955 ألف طالب وطالبة عبر مراحل التعليم العام والجامعي. كما أطلقت المنصة محفظة وقفية تعليمية ضمن صندوق إحسان الوقفي تجاوزت تبرعاتها 370 مليون ريال، بهدف تعزيز العدالة التعليمية وتوفير منح وبعثات تعليمية تتماشى مع مبادئ التكافل الاجتماعي وأهداف التنمية المستدامة ورؤية المملكة 2030. هذه الشراكة تجسد التزام المملكة بتوفير فرص تعليمية متساوية لجميع الطلاب، بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية. من خلال منصة "إحسان"، يتم توجيه التبرعات إلى المشاريع التعليمية التي تحقق أكبر الأثر، ويتم ضمان وصول الدعم إلى الطلاب المحتاجين.

 

بناء منظومة غير ربحية متخصصة: تعزيز التعليم والتدريب ورفع الوعي المجتمعي

 

إن بناء منظومة غير ربحية متخصصة يشرف عليها “سدايا” يعكس الالتزام الوطني عبر تسع جمعيات متخصصة في البيانات والذكاء الاصطناعي، حيث يُساهم هذا القطاع في تعزيز التعليم والتدريب ورفع الوعي المجتمعي ونشر المعرفة، وتطوير الكفاءات الوطنية، مما يدعم قطاع التعليم كرافد فعال لمنظومة التنمية الوطنية وينسجم مع توجيهات ولي العهد في الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي التي انطلقت عام 2020، والتي وضعت الشراكة مع وزارة التعليم على رأس أولوياتها. هذه المنظومة ليست مجرد مجموعة من الجمعيات، بل هي شبكة متكاملة تعمل على تحقيق أهداف مشتركة، وتتبادل الخبرات والموارد، وتتعاون في تنفيذ المشاريع. من خلال هذه المنظومة، يتم تطوير برامج تدريبية متخصصة، وتنظيم فعاليات توعوية، ونشر المعرفة في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي. هذه الجهود تشكل مثالًا واضحًا على كيفية تكامل القطاع الحكومي مع مبادرات الذكاء الاصطناعي والعمل الخيري لبناء مستقبل تعليمي قوي ومتلائم مع متطلبات العصر الرقمي، وتعكس قدرة المملكة على لعب دور ريادي عالمي في مجال التعليم والتقنيات الحديثة.